هل الإسلام دين ودولة....؟...
منذ ما يقارب ثلاثة عشر قرنا من هجرة النبي مالصلاة و السلام إلى المدينة وتأسيسه لأول دولة في الإسلام لم يجرؤ أي مفكر أو عالم أو فقيه إسلامي على طرح هذا السؤال إلى غاية تفكيك نظام الخلافة الذي كان يمثل النظام السياسي الإسلامي للحكم على يد مصطفى كمال أتاتورك في تركيا وتأسيسه لأول دولة علمانية انشقت عن العالم الإسلامي .......بدأ مجموعة من المفكرين في العالم العربي والإسلامي يناقشون هذا السؤال الذي وفد إلينا من العالم الغربي الأوربي الذي بدوره ناقش سؤال: هل المسيحية دين ودولة ؟ بكل جرأة خلال قرنين من الزمن الثامن عشر والتاسع عشر وخلص إلى أن الدين المسيحي لا يمكن له أن يسِيّر دولة أو أن يقود مجتمعا بكامل تعقيداته ,وانتهجوا العلمانية كحل لمعالجة هذا الإشكال.
فظهرت عندنا مجموعة من الرؤى الفكرية ,منها من يرى أن الإسلام دين ودولة ،رسالة و حكم،ومنها من قال بأن الإسلام دين كسائر الديانات مقصور على علاقة الإنسان بربه ولا علاقة له من قريب ولا من بعيد بالسياسة أو الحكم أو الملك.... فالدين مقدس وثابت لا يمكن ولا ينبغي لنا أن ندخله في السياسة التي تتميز بالتلاعب والخداع في بعض الأحيان .
ونحن بدورنا سننحو هذا المنحنى ونطرح السؤال الأتي :هل الإسلام دين ودولة ؟ ولكن سندرس هذه العبارة دراسة موضوعية عميقة بعيدة عن الأحكام المسبقة .
سنحاول أن نفكك هذا السؤال الى أسئلة فرعية إذا ما أجبنا عليها نكون قد حللنا هذا الإشكال.
ما هو الدين أصلا ...؟ وهل نحن بحاجة إلى دين ,أم هو مفروض علينا......؟
وما هي الدولة وما هو مفهومها......؟
* ما هو الدين ........؟
ورد لفظ الدين في القرءان الكريم بعدة معان:1- بعني الجزاء والحساب، 2- بمعنى الملة،3- بمعنى أصول العقيدة وأصول الشريعة الربانية ,4- بمعنى القهر و السلطة و الحكم.
1- الدين بعني الجزاء والحساب :
يقول تعالى((مالك يوم الدين))
((....وقالوا يا ويلنا هذا يوم يقوم الدين.....))
((.....وما أدراك ما يوم الدين ....))
2- الدين بمعنى الملة :
((....ما كان ليوسف أن يأخذ أخاه في دين الملك .....))
3- الدين بمعنى العقيدة وأصول الشريعة الربانية :
يقول تعالى: ((......إن الدين عند الله الإسلام...))
يقول تعالى :((......دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين))
يقول تعالى :((......قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني....))
يقول تعالى :((......لكم دينكم ولي دين ......))
4-الدين بمعنى القهر و السلطة و الحكم :
يقول تعالى :((لكم دينكم ولي دين ......))
والمعنى الذي نحن بصدد بحثه في هذا الكتاب هو الدين بمعنى العقيدة والشريعة الربانية، فإذا قلنا الدين الإسلامي فنحن نقصد العقيدة الإسلامية وأصول الشريعة فيها سندرسها إذا ما كانت تدعوا إلى قيام دولة أم أن هذه العقيدة هي عبارة عن علاقة فردية بين الإنسان وربه كما يقول بعض القائلين.
ودعنا الآن نحل الإشكال الآخر :هل نحن بحاجة الى دين في حياتنا؟ أم قد أصبحنا في غنى عنه ؟ وإذا كنّا لسنا بحاجة إليه فلماذا نلزم أنفسنا بما لا حاجة لنا به............؟
الحاجة النفسية الى الدين: إن حاجة الانسان الى الدين والتدين هي كحاجة الى الأكل والشرب، فلا يمكن للإنسان أن يعيش الحياة بحلوّها ومرّها، بحزنها وفرحها، بخيرها وشرّها ،بدون إيمان وإلا فإنها تصبح عبا على الانسان يريد التملص منها بشتى الطرق يقول تعالى ((ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا)) لذا فمنذ بداية الخليقة لم يستطع الانسان العيش بلا دين ، يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك : قد وجدت في تاريخ مدن بلا حصون ،ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس ،ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد .
وحتى الآن لا تكاد تخلوا قرية أو مدينة في العالم بكامله من وجود أماكن للعبادة والتعبد (كل حسب دينه وحسب معتقده) .
ويقول الفلاسفة الغربيين وهو أغوست سياتيه في كتابه - فلسفة الأديان- "لماذا أنا متدين ؟ إني لم أحرك شفتي بهذا السؤال مرة ،إلا وأرني مسوقا للإجابة عليه بهذا الجواب، وهو:أنا متدين لأني لا أستطيع خلاف ذلك، لأن التدين لازم معنوي من لوازم ذاتي ،يقولون لي :ذلك أثر من آثار الوراثة أو التربية أو المزاج فأقول لهم: قد اعترضت على نفسي كثيرا بهذا الاعتراض نفسه، ولكني وجدته يقهقر المسالة ولا يحلها "
وهذا الكلام فيلسوف كبير درس الفلسفة بل جوانبها وحججها يقول إنه لم يستطع التخلص من ملكة التدين فما بالك بالإنسان البسيط .
الحاجة الاجتماعية الى الدين : وكذلك المجتمع ،لأن المجتمع هو مجموعة نفوس .......فحاجة المجتمع إلى الدين هي كحاجته إلى الأمن أو الصحة أو التعليم ..........فلا يمكن أن نقيم مجتمعا بدون أمن ومراكز تحفظ الأمن أو مراكز للصحة أو.....
هذا ناهيك عن الوازع الأخلاقي للمجتمع..........كيف لمجتمع غير مؤمن أو غير متدين أن يحترم ويلتزم بالقوانين التي تحكمه .............فعلاقة القوانين بالأخلاق والدين هي في الحقيقة كعلاقة الولد بأمه. فلا يمكن أن تكون هناك قوانين بدون مرجعية أخلاقية ودينية والمجتمع الذي لا يؤمن بالدين والأخلاق فلا يمكن له أن يلتزم بالقوانين التي تحكمه وإنما تراه يسعى دائما الى الهروب والتحايل عليها أما المجتمع المتدين والمؤمن فتراه ملتزما بقوانينه ومؤمنا بها .
لكن يقول قائل ماذا عن الشعوب الأوربية؟... الإحصائيات تقول أن أغلب الشعوب الأوربية لا تؤمن بوجود الله أصلا ولا تؤمن بالدين والتدين ......فكيف نجد أن هذه الشعوب من أحسن الشعوب التزاما بقوانينها ؟ من أين جاء هذا الالتزام بالقوانين؟
في الحقيقة هذا الالتزام جاء من مستوى المعيشة الذي تعيشه هذه الشعوب فهي تعيش حالة الرفاه والوفرة الاقتصادية ....ولو تعرضت هذه الشعوب الى أزمة مالية كبيرة وأصبحت تعيش حالة الضرورة والندرة الاقتصادية كما تعيشها بلدان العالم الثالث. نحن نقول لتملصت من قوانينها ولفعلت الأفاعيل ويكفي أنه في بدايات القرن الماضي يقولون أن التيار الكهربائي انقطع في أحد المدن الأمريكية لعدة ساعات فحدثت في هذه الساعات جرائم سرقة اغتصاب واعتداء رهيبة.
أما المجتمع المتدين فتراه ملتزما بقوانينه دائما في السراء والضراء
الحاجة الفكرية والفلسفية الى الدين:هناك مجموعة من الأسئلة الفلسفية ناقشها الفكر الفلسفي منذ القديم وهي الأسئلة الكبرى:ما هو أصل الحياة ؟ ومن أوجدها ؟ وما غاية الحياة ؟ وماذا بعد الحياة؟
ناقش الفكر الفلسفي هذه الأسئلة منذ القديم ولم يصل فيها الى حل متكامل متطابق في الفطرة الإنسانية وفي الحقيقة فلن يصل إليها وبالتالي لا بدّ له من اللجوء إلى الدين الذي هو السبيل الوحيد لحل هذه المشكلة الفكرية وإلاّ فالصراع الفكري داخل ذهنية الفيلسوف والمفكر لن ينتهي .
حتى أن الأستاذ العقاد نقل في أحد كتبه أن معظم الفلاسفة في التاريخ الإنساني مؤمنون وأن من كان منهم ملحدا ختم آخر حياته بالإيمان فلا حلّ لهذه المشكلة الفلسفية إلاّ بالدين فالفكر وحده لن يدرك صورة الخالق أو أن يدرك غاية ومصير الحياة إلاّ بالدين..حتى أن الأستاذ عبد الوهاب المسيري الذي أراح فكره بالايمان بعد دراسة طويلة و متأنية للعقيدة الإسلامية ,قال في إحدى مقابلاته الصحفية :لا يوجد أحد قاوم الإيمان مثلي ,ولكنه أمن بعد صراع فكري كبير .....
حيث يقول الله تعالى متحديا العلماء أن يأتوا بدليل أو حجة تبرر الكفر ((قل أنظروا ماذا في السماوات و الأرض و ما تغني الأيات و النذر عن قوم لا يؤمنون..)).
يقول تعالى ((وليعلم الذين واتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم..))
أمّا ما يزعمه بعض الفلاسفة والمفكرين ممن تأثروا بنظرية "الأدوار الثلاثة" التي ذهب إليها الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت، مؤسس المدرسة الوضعية التقليدية (1798-1857م) حيث يقول هذه الفيلسوف أنّ العقل الإنساني قد مرّ بمراحل ثلاث آو أدوار ثلاث : الدور الديني، الدور الميتافيزيقي، الدور الواقعي الوضعي.
ففي الدور الديني يقول أوغست كونت أنّ العقل كان يبحث عن كنه وأصل الموجودات ومصيرها، وكان يلجأ إلى الدين للإجابة على هذه الأسئلة ومعتمدا على الخيال في بعض الأحيان. فتراه يربط بين الظواهر والإله أو الشياطين .
وفي المرحلة الثانية: ارتقى العقل فأصبح يفسر الظواهر بعلل ومعان مجردة وتخلي عن الدين والتفسير اللاهوتي وهذه هي مرحلة الفلسفة العقلية.
وفي المرحلة الثالثة: تجنب العقل الإنساني في البحث في كنه وأصل الموجدات ومصيرها. فأصبح العقل الإنساني يبحث في كيف حدثت الظاهرة؟ وليس لماذا حدثت ؟
وقد مثلها أوغيست كونت بمراحل حياة الانسان فالمرحلة هي مرحلة الأولى الطفولة والمرحلة الثانية هي المراهقة أما الثالثة فمرحلة النضج والرشد.
ونحن هنا لن نرد على هذه النظرية فقد ردّ عليها فلاسفة ومفكرون آخرون من الوسط الذي خرجت منه وأثبتوا عدم صحتها سواء من ناحية دوريتها فأوغست كونت يقول أنها دورية في الحياة الإنسانية ونحن لم نشهد الدورية، وكذلك أثبتوا عدم دقتها من ناحية التصوير الحقيقي لواقع الحياة الإنسانية.
نحن نقول إن هذه النظرية ((نظرية الأدوار الثلاثة)) فكرة نراها صحيحة و هي فكرة تغيير موضوع بحث العقل الانسان من مرحلة البحث في الغيب لمعرفة أصل وسبب وغاية الحياة الإنسانية الى مرحلة البحث في الشهادة (الواقع) لمعرفة قوانين علل التي تحكم الكون والمجتمع والنفس .
وهذان المرحلتان هما :
المرحلة الغيبية : وتمتد من بداية الحياة الإنسانية الى غاية الرسالة الخاتمة على خاتم النبيين محمد r ،وفي هذه المرحلة كان العقل الإنسان يبحث بشراهة عن أصل الحياة الإنسانية وأصل الوجود وصورة الواحد سبحانه وتعالى وعن الغاية من الوجود . كان في هذه المرحلة الدين هو الذي يجيب أجوبة منطقية موافقة للفطرة الإنسانية ،فكانت الأنبياء ترسل النبي تلوّ النبي.
فكل نبيّ كان يجب على هذه الأسئلة بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الواحد وأنّه ليس كمثله شيء وغاية الحياة هو الابتلاء والتمحيص ومصيرها الجنّة أو النّار أمّا التفصيلات فكانت لكل قوم حسب الزمان والمكان الذي يعيشونه فإذا جاءت الرسالة الخاتمة فأعطت تصورا واضحا مفصلا عن هذه الأسئلة الغيبية وناقشتها بكل عقلانية وموضوعية .
((....شهر رمضان الذي انزل فيه القرءان هدى للناس و بيّنات من الهدى ..))
((يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ))
((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي .....))
((...قد جاءكم من الله وكتاب مبين ،يهدي به الله من اتبع رضوانه السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم...))
كل هذه الآيات القرآنية وغيرها كثير في كتاب الله جلّ وعلا تؤكد على أنّ هذا القرءان (الرسالة الخاتمة) هي النور ينير الدرب أمام العقل الإنساني فيجيبه على كل التساؤلات الغيبية التي تراوده ثم يهديه الى الطريق المستقيم إذا ما آمن به .
المرحلة الثانية هي المرحلة الواقية: وفيها أصبح العقل الإنساني يريد فهم أسرار وعلل هذه الظواهر سواء في الكون أو في الحياة الاجتماعية أو في النفس الإنسانية ((.......خلق كل شيء فقدره تقديرا))
((وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون))
((لن تجد لسنة الله تبدلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ...))
وفي هذه المرحلة انتقل العقل الإنساني من البحث في الأسئلة الغيبية التي لم يستطع أن يعطي فيها إجابات مقنعة ومنسجمة مع الفطرة الإنسانية بل أجاب عليها الدين وقال أنّ العقل لا يستطيع البحث فيها.
وليس كما يقول أنصار نظرية الدورات الثلاث من أن العقل الإنساني انتقل من المرحلة الدينية الميتافيزيقية إلى المرحلة الواقعية العلمية بسبب نضجه أو بسبب رشده،لا بل إنّ الدّين قد أجابه عليها إجابات مقنعة ومؤكدة ومنسجمة مع الفطرة البشرية.
فهذه هي عقيدة التوحيد التي فصلتها الرسالة الخاتمة أن الله واحد وما دونه مخلوق تحت سيطرة وقهر الخالق وأنّ الإنسان سيّد للكون خليفة لله جلّ وعلا. وكل ما في الكون مسخر لهذا الإنسان. و كل ما يحدث في الكون هو بتقدير من الله جلّ وعلا وبسبب موضوعي إذا سعى الإنسان إليه فسيدركه ويتحكم فيه .
حتى أن القرءان يقول: ((.......قل سيرا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)) وبالتالي هذه المرحلة الثانية التي يعيشها العقل الإنساني هي مكملة ومتممة للمرحلة الأولى ولو لم يقتنع العقل الإنساني بأجوبة المرحلة الأولى ما انتقل إلى المرحلة الثانية وظل يتخبط في فلسفته الميتافيزيقية التي لم تستطع أن تحل تلك الإشكالات .
وهذا لا يعني أن العقل الإنساني لم يعد في حاجة إلى الدّين بعد مرور المرحلة الأولى وإنما هو لا يزال في حاجة إليه باعتباره واتخاذه كمرجعية للحياة باستخراج القوانين والأخلاق والسنن الاجتماعية والنفسية.
فلو لا توجيهات الرسالة الخاتمة ما أصبح الإنسان ينظر إلى الكون والظواهر على أنّها مسخرة ومحكومة بعلل يستطيع معرفتها لذلك نجد أنّ بدايات البحث العلمي أو التفكير العلمي قد ظهرت في الحضارة الإسلامية ثم انتقلت إلى الحضارة الأوربية .
وبالتالي فإن الحياة الإنسانية بحاجة ماسة إلى الدين ولولا الدين ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه وحضارة وتقدم ولو استغنينا عنه فمصيرنا الحياة حتما الهلاك والضياع .
أما إذا عدنا إلى علاقة الدين بالدولة وهل الإسلام دين ودولة ؟
ما هي الدولة ...........؟
الدولة كما يعرفها علماء السياسة والقانون الدستوري هي كل شعب يسكن رقعة جغرافية معينة لها حدود معينة ويتمتع بالسيادة عليها ولهذا الشعب سلطة تحكمه وتسوسه بمجموعة من القوانين تنظم العلاقات بين أفراد هذه الدولة وبين مختلف هيئات هذه الدولة وبين الدولة وشعبها.
فمن يقول أن الإسلام دين لا دولة فعليه إثبات ذلك لأنّه هو المدعي أمّا الإسلام فمنذ أن نزل وأقام أول دولة في التاريخ الإسلامي (دولة المدنية)وهو دين ودولة ، رسالة وحكم ، قول وفعل، إيمان وعمل.
فإذا طالبت منكري علاقة الإسلامي بالدولة بدليل على قولهم هذا لم تكن حجتهم إلاّ أن يقولوا أنّ الدّين مقتصر على علاقة الإنسان بربّه ولا دخل له بالأمور الاجتماعية والأمور السياسية . وهم في الحقيقة متأثرين بما قاله فلاسفة التنوير في أوربا عن الدّين المسيحي من أنّه دين روحي لا أحكام ولا قوانين فيه وإنّما هو عبارة عن روحانيات تقوي علاقة الإنسان بربّه وتحثه على فعل الخير واجتناب الشرّ.
وفي الحقيقة هذا إن صحّ فإنه يصح على الدّين المسيحي فقط ولا يتعداه إلى الدّين الإسلامي لأنّ المسيحية دين مؤقت لقوم معينين هم بنو إسرائيل وهو ليس مقدّس لأنّ يدّ التحريف والتدليس طالته على عكس الدّين الإسلامي الذي جاء لكل زمان ومكان، ومحفوظ من كل تدليس أو تحريف.
يقول تعالى ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))
أمّا عن حججنا نحن الذين نؤكد أنّ الإسلام دين ودولة رسالة وحكم هو أنّ الدّين الإسلامي جاء بأحكام وقوانين تنظم العلاقة بين الفرد وربه .
((اعبد ربك يأتك اليقين))
((أقم الصلاة لدلوك الليل))
((كتب عليكم الصيام...))
وجاء بأحكام وقوانين تنظم العلاقة بين الأفراد داخل المجتمع الإسلامي
((....إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .....))
((إنما الصدقات للفقراء والمساكين .....))
((يأيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم .......ولا نساء من نساء......))
و أحكام وقوانين تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم
((إن الله يأمركم أن تؤدو الآمنات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.......))
((وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم....))
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم.....))
((وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ....))
وجاء الإسلام أيضا بقوانين تنظم السياسة و الخارجية والعلاقة بين المسلمين وغيرهم من الشعوب .
((..ولا يجر منكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا...))
((...ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى...))
((...يأيها الناس إذا خلقناكم ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.......))
فماذا نفعل بهذه الآيات وغيرها كثيرة في القرءان الكريم والأحكام والقوانين التي بني عليها الفقه الإسلامي المتعلق بالحياة الاجتماعية والسياسية ...........
فماذا نفعل بها ونحن قد آمنا بالإسلامي دينا وبالله ربا سبحانه وتعالى وأنّه هو الذي أنزل القرءان ..................فلزاما علينا أن نأخذ بها ونجعلها معيارا وحكما لحيتنا السياسية والاجتماعية .
فماذا نفعل ...أنفعل مثل ما فعل قوم آخرون :
((أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ....))
لا والله فنحن نؤمن بالكتاب كله ونسعى إلى تجسيده في الحياة الاجتماعية والسياسية في دولنا التي تتخبط بين الفقر والتخلف كالذي يتخبطه الشيطان من المس.
ربما من الحجج التي اعتمد عليها منكروا علاقة الإسلام بالدولة واقتصاره على الحياة الروحية الفردية قولهم أنّ الإسلام في نصوصه الأصلية لا يدعوا إلى إقامة دولة أو إمارة أو ملك أو خلافة وإنّما هو دعوة إلى الإيمان ،فالرسول r لم يعطيه القرءان الكريم أية سلطة على النّاس وإنّما قال له:
((إنما أنت نذير)) ((إنما أنت منذر))
((إنما أنا لكم نذير مبين))،((فذكر القرءان من يخاف وعيد)) ،((وما أنا لكم بحفيظ))،((لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّنى السوء إن أنا إلاّ نذير وبشير لقوم يؤمنون))
في الحقيقة إن كل من ليس له فقه القرءان الكريم سيصل إلى مثل هذه النتائج ،فهذه الآيات وغيرها كثيرة في كتاب الله جل وعلا هي تتكلم عن العقيدة الإسلامية ،ومن أصول الدعوة في السلام أنه ((لا إكراه في الدين ...)) ((...أفأنت تكره الناس حتى يكونا مؤمنين ...))
((وقل الحق من ربكم فمن شاء فاليوم ومن شاء فليكفر .....))
هذا في العقيدة والإيمان والكفر، أما ما نحن بصدد دراسته الآن هو علاقة الدين في أمة مؤمنة تؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا ولسنا نتكلم عن أمة غير مؤمنة ، والأمة المؤمنة ،التي اتخذت الإسلام دينا لها ومرجعية لها بكل حرية لا بد لها أن تلتزم بما جاء فيه من شرع وأحكام وهذا شيء طبيعي فالشعب الذي يؤمن بأي عقيدة ومرجعية لا بد له أن يلتزم يشرعها المنبثق منها ،فمن أمن بالشيوعية لا بد أن يلتزم بشريعة الشيوعية ومن التزم بالرأسمالية كعقيدة لا بد أن يلزم بشريعتها من اقتصاد سوق ومن حرية تجارة ملكية فردية ...الى غير ذلك.
وكذلك نفس الشيء للأمة التي اتخذت الإسلام دينا مرجعية عقائدية لها حيث يقول جل شأنه ((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ،ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))
ويقول ((ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون))
ويقول ((وما كان لمؤمن ومؤمنة إذا قضى الله ورسوله فقد ضل ضلالا بعيدا )) أما عن قولهم أن الإسلام لا يدعوا الى قيام دولة أو خلافة أو ملك فنحن نقول إننا معكم في هذه الفكرة فالإسلام لا يدعو صراحة لا في القرءان الكريم ولا في السنة النبوية الصريحة الصحيحة الى قيام نوع معين من النظام السياسي سواء كان خلافة أم ملك أم شيئا آخر......
فالإسلام في الأصل عبارة عن عقيدة وتصور للحياة و الوجودة وأنزلت مع هذه العقيدة شريعة منبثقة عنها ومنسجمة معها وقد أمرنا نحن المسلمين بالالتزام بهذه الشريعة بمقتضى إيماننا بالعقيدة الإسلامية أصلا....فلا يمكن لنا أن نعتقد عقيدة ثم ننتهج شريعة أخرى غير منبثقة عنها ونطبقها في حياتنا السياسية والاجتماعية.
يقول تعالى (( .....أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يقنون )) كيف أنؤمن بان الله هو الخالق الحكيم العليم الحكم الذي لا تخفى عليه خافية ثم ننتهج غير شرعه الذي أنزل.
وبالتالي فالإسلام ألزمنا بشريعة هذه الشريعة كما قلنا سالفا تحوى أحكام تنظم علاقة الفرد بربه وأحكام تنظم علاقة المجتمع فيما بينه وأحكام تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأحكام تنظم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الأمم والشعوب في العالم .
وقد أوجب علينا الإسلام أن نلتزم بهذه الشريعة وإلا فان الله جل وعلا لن يقبل إيماننا (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))
لكن الإسلام ترك لنا الحرية في اختيار نوعية النظام السياسي أو الاجتماعي لتطبيق هذه الشريعة .فالأمة أن تختار النظام الذي يحقق لها هذا التطبيق، سواء كان خلافة أم ملكا أم إمارة ......................فالواجب والفرض على هذه الأمم هو تطبيق الشريعة أما كيفية التطبيق فمتروكة للأمة وهذا ما فعله صحابة الرسول r في سقيفة بن ساعدة بعد وفاة النبي الأعظم محمد r فأرتؤ نظام الخلافة كنظام سياسي هم اجتهدوا ووضعوه والرسول لم يأمرهم بانتهاج هذا النظام وإنما ترك لهم مبادئ عامة اجتهدوا من خلال ووضعوا نظام الخلافة.
وكذلك المسلمون في هذا العصر لا بد عليهم أن يختاروا النظام السياسي الذي يضمن لهم التحقيق الأمثل لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
وهذا ما نسعى إلى تحقيقه في هذا الكتاب بحول الله جلّ وعلا .
أما عن استشهاد بعض العلمانيين والمغتربين عندنا ببعض الأحاديث النبوية الصحيحة التي أن لم تفهم فهما عميقا لأدت إلى فهم مخالف في الحديث.
فمثلا الحديث الذي يقول فيه r :(( ما كان من أمر دينكم فان لي ،وما كان من أمر دنياكم فشأنكم به ،أنتم أعلم بأمر دنياكم))
وقد روى هذا الحديث أو حديث آخر يصب في نفس المعنى عندما مرّr بمجموعة من الناس أو الفلاحين وهم يؤبرون النخل (يلقحونه بأخذ غبار الطلع من النخل الذكر ويصبونه فوق النخل الأنثى ) فقال r لم تفعلون هذا فقالوا يا رسول الله لو لم نفعله ما أثمر النخل لهذا العام فقال rاجتهاد منه لو لم تفعلوا لإثم النخل وهذا قول منه r كقول أي إنسان آخر فلم يؤبرهؤلاء الفلاحين هذا النخل وحين جاء وقعت جني الثمار لم يثمر هذا النخيل فرجعوا الى النبي r فقالوا له يا رسول الله إن النخل لم يثمر فرد عليهم أنتم أعلم بأمور دنياكم وإنما هو اجتهاد منى فقط.
وقد اعتمد العلمانيون على هذا الحديث اعتمادا كبيرا فإذا قلت لهم أن الإسلام له أحكام ومبادئ سياسية واجتماعية يقولون لك على الفور: هذه من أمور دنيانا والرسول r يقول: أنتم أعلم بأمر دنياكم، فدعنا نحله بأنفسنا بينما إذا نظرنا الى هذه الحادثة نظرة عميقة سنصل الى :
عملية تأبير النخل هي عملية فلاحية تعتمد على خبرة ومعلومات علمية متعلقة بالفلاحة والنبات وفي الحقيقة فالرسول لم يقل إني فلاح أو صاحب نظريات علمية أو إني ذو خبرة في الفلاحة أو الزراعة و إنما قال :أنا نبي مرسل.
وبالتالي فإن الأشياء أو المجالات التي ليس للدين علاقة بها فينطبق عليها هذا الحديث .
أما المجال الاجتماعي والسياسي فتحكمه قوانين وهذه القوانين لا تأتي هكذا وإنما تأتي منبثقة على مرجعية ،فأي قانون في العالم له مرجعية معينة ولا يمكن لمجتمع أن يشرع ويسن القوانين بعيدا عن مرجعيته الفكرية والدينية وبالتالي فالمجال السياسي والاجتماعي ليس كمجال الفلاحة أو الطب أو أي فرع من العلوم التجريبية وإنما هو مجال مرتبط أشد الارتباط بالدين ولا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن الدين .
فإسلامية الدولة التي نعوا إليها وتدعوا إليها الحركات الإسلامية هي إسلامي قوانين هذه الدولة وأحكامها الأساسية ومرجعيتها الفكرية.
فنحن لما نقول دولة إسلامية هذا الشعار الذي يخشاه البعض فنحن في الحقيقة نعطي صفة لهذه الدولة وليس تقديسا لسياستها أو برامجها التنموية إنما السياسة فيها تخطئ وتصيب والبرامج فيها تنجح وتفشل كأي دولة أخرى .......مثلما نصف دولة ما أنها أوربية أو أمريكية وصفا لموقعها الجغرافي أو نقول دولة رأسمالية أو اشتراكية فهذا وصف لعقيدتها الاقتصادية وكذلك نفس الشيء عندما نقول دولة إسلامية فنحن في هذه صفة لشعبها المسلم وكذلك صفة لمرجعيتها الفكرية والدينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق