walid.d81@gmail.com

صورتي
البسباس, ولاية الطارف, Algeria
أفكار تسعى الى إقامت دولة عربية ديمقراطية متقدمة وفقا للمرجعية الإسلامية

الثلاثاء، 11 يناير 2011

النظام السياسي الإسلامي والديمقراطية:


           من المفاهيم التي طغت على الساحة الإعلامية والساحة الصحفية   خاصة في نهايات القرن ال20 م وبدايات القرن 21 م ,فلا تفتح قناة فضائية أو تقرأ مقالا إلا وجدت حديثا مباشرا أو غير مباشر عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي .
هذا فيما يخص الذكر أمّا فيما يخص الحكم فقد اختلفت فيها الأحكام , فهناك من اعتبرها كفرا وخروج عن الدين الإسلامي لأنها تعطي الحكم لغير الله جل وعلا وهناك من اعتبرها الحل الشافي لمشكلة التخلف في دول العالم الثالث (الإسلامي بالطبع) حتى وإن أخذت بدون وصفة طبية.
          أما نحن في هذه الأسطر فسنحاول أن نقدم رؤية مفصلة عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي من الناحية الفلسفية والنظرية ومن ناحية تطبيقها في النظام الغربي الأوربي , ثم نقيم مقارنة بينها وبين النظام الإسلامي كي نستطيع أن نجيب على السؤال الجوهري بالنسبة لهذه القضية ...هل يمكن قيام دولة ديمقراطية وفي نفس الوقت إسلامية.
فما هي الديمقراطية ؟ ومتى نشأت وأين نشأت وما هي مبادئها الأساسية...؟
         الديمقراطية كنظام للحكم قديم قدم الفكر الإنساني حيث ترجع أصولها الفكرية إلى الفلاسفة اليونان كأرسطو الذي تكلم بالتفصيل عن الديمقراطية وكذلك أستاذه أفلاطون الذي ألف كتابا عنها سماه الجمهورية .
         الديمقراطية كلمة يونانية الأصل مكونة من قسمين DEMOS وتعني حكم CRACY وتعني الشعب أي حكم الشعب وقد أقيمت ديمقراطية لأول مرة في مدينة أثينا  اليونانية حيث كان الشعب أو المواطنون هم الذين يسوسون مدينتهم باستثناء العبيد والنساء والفلاحين فليس لهم حق التصويت في إصدار القوانين أو اختيار الحكام ......فهي إذا ديمقراطية الأغنياء ومع هذا فهي تجربة فريدة في ذلك العصر.
          وهناك من يرجع الأصل اللغوي لكلمة ديمقراطية إلى الأصل الفارسي وتتألف من قسمين -دهمو كْراسي- أي باللغة الفارسية كرسي الدهماء .
 المهم أن المعنيين متقاربين أي أن الديمقراطية هي نظام يمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه .
ثم تطورت فكرة الديمقراطية عبر العصور من دولة أثينا إلى غاية العصر الحديث أين وصلت الفكرة الديمقراطية والنظام الديمقراطي إلى نظام سياسي حقيقي متماسك كما هو موجود الآن في بعض الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا .......الخ حتى اعتبرها البعض (أي الديمقراطية) النظام السياسي الوحيد الذي استطاع أن يخفف حدّة الصّراع بين الحاكم والمحكوم فمن معان السياسة ذلك الشدّ والجذب بين الحاكم والمحكوم ,وتاريخيا فإن الحاكم هو المسيطر دائما على المحكوم ،والمحكوم لا يملك إلا أن يرضى بما أعطاه له الحاكم ،ولكن الديمقراطية استطاعت أن تحقق ذلك التكافؤ والعدل في سياسة الدولة بين الحاكم والمحكوم ,فأصبح الحاكم في خدمة المحكوم بعد أن كان هو المخدوم من طرف المحكوم ,فبإمكان الشعب محاكمة رئيسه بل وإبعاده عن الحكم إذا خالف ما عاهد عليه منتخبيه.
         وقد بنيت أصول الديمقراطية الحديثة كنظرية سياسية للحكم على يدّ مجموعة من المفكرين الأوربيين كتوماس هو بز و جون لوك  و جون جاك روسو منظر الثورة الفرنسية حيث  تكلم هؤلاء المفكرون عن قضية العقد الاجتماعي كأصل أولي لبناء الدولة في التاريخ الإنساني ناقشوا كذلك قضية السيادة داخل الدولة هل هي للشعب ؟ أم هي للحاكم ووصلوا في الأخير إلى أن السيادة في حقيقة الأمر هي للشعب وقد فوضها هذا الشعب إلى من ينوب عنه في سياسة أمور الدولة والمجتمع وهذا ما أقره جون جاك رسو في كتابه عن العقد الاجتماعي في أواخر القرن 18م .
         كما ناقش المفكر مونتسكيو في قضية الديمقراطية فكرة أو مبدأ الفصل بين السلطات في كتابه "روح القوانين" الذي اعتبر فيه أن فكرة أو مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية ،التنفيذية ،القضائية) ركن أساسي من أركان النظام الديمقراطي الحقيقي .
فما إن وصلت الحضارة الغربية إلى نهاية القرن 19م وبدايات القرن 20م حتى وصلت فكرة الديمقراطية إلى أوجها .
فلو أجملنا الأركان أو المبادئ الأساسية لإقامة نظام ديمقراطي كما وضعها مفكرو هذا النظام السياسي فهي كما يلي :
-صيانة الحريات العامة(حرية الملكية وحرية التعبير.....).
         -التداول على السلطة حيث يعتبر هذا المبدأ بمثابة مضاد لأي نوع من الديكتاتورية فلا يمكن لأي حاكم أن يحكم للأبد حتى وان كان عادلا حتى يستشير شعبه وفق انتخابات حرة دورية.
         -استقلالية القضاء وسيادة القانون لأن القانون  هو الآلية الموضوعية الوحيدة القادرة على الفصل بين المتنازعين ,ففي الدولة الديمقراطية يشعر المواطن  بأن هناك حارس موضوعي ومنفصل عن الحاكم والمحكوم يستطيع أن يحميه ويأتي له بحقوقه رغما عن الحاكم أما في الدول الغير ديمقراطية فإن القانون مطاط وقابل للالتواء من طرف أسياد تلك الدولة أو الحكام الحقيقيين سواء كانوا ظاهرين أو وراء الكواليس .
         -الفصل بين السلطات وهو المبدأ الذي تكلما عنه عندما تكلمنا عن مونتسكيو وكتابه روح القوانين  .
هذا في ما يخص المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن نحكم على أي نظام  أنه ديمقراطي حتى تتوفر فيه هذه مبادئ.
 هناك مبادئ أخرى فرعية ومنفصلة عن هذه المبادئ سنتطرق لها في صفحات هذا الكتاب.
 وفد مفهوم الديمقراطية مع تلك المفاهيم التي وفدت إلى العالم العربي والإسلامي مع الغزوة الاستعمارية الأوربية (العلمانية،الحداثة ،الرأسمالية ، الشيوعية ....) فبدأ في نهاية 19م وبداية القرن20م الفكر الإسلامي يناقش قضية الديمقراطية بين مؤيد ومنتقد لها .
         فاعتبر مفكرو النهضة العربية الأولى في النصف الثاني من القرن 19م أن الحكم الديمقراطي والدستوري هو الحل الوحيد لمشكلة التخلف والاستبداد في دول العالم الإسلامي ،فكان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو ينادون بإقامة برلمانات ودساتير في العالم الإسلامي ،وكانوا يرون أن الديمقراطية أو الحكم النيابي هو نفسه الشورى ذلك المبدأ السياسي الإسلامي الذي قامت عليه الدولة الإسلامية الأولى .
وفي الحقيقة كان همّ هذين المفكرين هو الخروج بالدولة الإسلامية من دائرة التخلف والتبعية للمستعمر ،وهذا بسبب انبهارهما بالحضارة الأوربية فلم يناقشا مثلا أصول الفكر الديمقراطي والنظرية السياسية الغربية ومدى موائمتها مع النظرية السياسية الإسلامية لأن في  وقتهم كان الرمز السياسي للحضارة الإسلامية موجود (شكلا دون مضمون) وهو النظام الخلافة ، لهذا كان همهم الأول هم السعي إلى تحقيق وحدة العالم الإسلامي والوصول إلى الحضارة التي سبقنا الغرب إليها .
         بينما في بديات القرن 20م وخاصة بعد حلّ نظام الخلافة على يدّ مصطفى كمال أتاتورك في تركيا بدأ المفكرون الإسلاميون يناقشون الأصول الرئيسية للفكر السياسي الديمقراطي الغربي .
         فظهر مثلا كاتب كعلي عبد الرزاق الذي كتب كتابا سماه الإسلام وأصول الحكم والذي أكد فيه على عدم وجود نظام إسلامي للحكم ،وأن الإسلام دين لا الدولة ورسالة لا حكم وقد ردّ عليه في ذلك الوقت نخبة من العلماء أثبتوا بالحجة الدامغة أن الإسلام دين و دولة ثمّ بعد حل نظام الخلافة على يدّ مصطفى أتاتورك 1924 م  بدأت تظهر مجموعة من الاجتهادات الفكرية تناقش فكرة الخلافة وهل هي نظام إسلامي ثابت يجب العودة إليه أم أنها رمز للوحدة الإسلامية التي يمكن تحقيقها بطرق أخرى .
في 1928م أنشئت أول حركة إسلامية تنادي بإعادة الإسلام إلى الحكم هذه الحركة هي الحركة الإخوان المسلمين بزعامة الإمام الشهيد حسن البنا الذي كان له مجموعة من الاجتهادات في مجال الحياة السياسية فمثلا رفض حسن البنا قضية تشكيل الأحزاب السياسية وذلك لأنها حسب رأي الإمام تؤدي إلى التفرقة والخلاف في حين أنا الإسلام ينادي بالوحدة ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون)) .
         فالإمام الشهيد في هذه الفتوى راع الأحوال السياسية وحياة الأمة آنذاك حيث كان الاستعمار مسيطر على معظم الأراضي الإسلامية وبالتالي فإن قضية تشكيل الأحزاب السياسية ستؤدي إلى زيادة تشتيت جهود الأمة و تبعدها عن همها الأساسي و هو التخلص من الإستعمار و إعادة الخلافة الإسلامية و بالتالي فهي فتوى خاصة بذلك العصر وتلك الأحوال ونادي حسن البنا أيضا بتشكيل دستور معاصر في  الدولة المصرية آنذاك ويجب أن ينص هذا الدستور بكل وضوح على إسلامية الدولة كما سعي الإمام وحركة الإخوان المسلمين إلى الوصول إلى البرلمان معتبرين أنه السبيل الوحيد للسيطرة على السلطة في البلاد وتنفيذ برنامجها أي أن حركة الإخوان المسلمين والأستاذ حسن البنا في هذه الفترة كان إلى إقامت دولة نيابية يحكمها دستور إسلامي كما تبناها مفكرو النهضة العربية الأولى (الأفغاني محمد عبدو....) وبعد استشهاد حسن البنا سنة 1949م لم تظهر كتابات وآراء جريئة في الفكر السياسي الإسلامي عدا أفكار أبي الأعلى المودودي في باكستان وكتابات سيد قطب التي أثارت جدلا كبيرا على الساحة الإسلامية و لا تزال أثارها حتى الآن .
 فلا تكاد تجد محللا سياسيا غربيا كان أو شرقيا إذا أراد تحليل ظاهرة الإرهاب الدولي والأصول الفكرية لتنظيم القاعدة إلا وربط بينها وبين أفكار سيد قطب في خمسينيات  وستينيات القرن الماضي.
 في الحقيقة إن سيد قطب مفكر إسلامي من الطراز الأول وله أفكار سياسية واقتصادية وفقهية جريئة جعلته يحدث ضجة كبيرة على الساحة الإسلامية .
فسيد قطب شئنا أم أبينا صاحب مشروع حضاري كامل بدأه بتفسير القرآن الكريم –في ظلال القرآن- وكان ينوى كتابة في ظلال السنة ،كما ألف في الفلسفة والعقيدة الإسلامية كتابا سماه خصائص التصور الإسلامي ومقوماته الذي اعتبره البعض من أحسن ما ألف في القرن 20م إلى أن وصل إلى كتابه- معالم في الطريق- الذي يعتبر بمثابة برنامج أو خطة حركية للوصول إلى الدولة الإسلامية...
وقد طالب سيد قطب بتوقيف الاجتهاد الفقهي والتركيز على ترسيخ العقيدة الإسلامية لأنه اعتبر أن الإسلام توقف عن الوجود منذ زمن بعيد وبالتالي فلا يمكن أن نحل مشاكل فقهية لم ينتجها الإسلام وإنما أنتجتها الحضارة الغربية كمشكلات المصارف أو حقوق المرأة إلى غير ذالك من القضايا المعاصرة آنذاك.
كما اعتبر سيد قطب أن الجهاد في الإسلام هجومي في حين أن جمهور العلماء يقولون أن الجهاد في الإسلام دفاعيا (الجهاد بمعني القتال و المواجهة العسكرية)
أما الأفكار السياسية التي طرحها سيد قطب نجد فكرتي الحاكمية والجاهلية ،فالحاكمية حكم بها على كفر الدولة الديمقراطية أو القومية لأنها تحكم غير الله في تشريع قوانينها مستندا  في ذلك على مجموعة من الآيات القرآنية وهي :
((ومن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))
ويقول تعالى((أفحكم الجاهلية يبغون........)).
ويقول تعالى ((إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبد إلا إياه)).
         فالحاكمية قضية فقهية ناقشها الفقهاء منذ القديم وهي تعني أن الحكم داخل الدولة الإسلامية لله وحده ((من أحسن حكما من الله لقوم يوقنون)) لكن معنى الحكم في هذه الآية و في آيات أخري كقوله تعالى ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) هو القضاء أي من لم يقضي بما أنزل بين المتنازعين فأولئك هم الكافرون و في أية أخرى فأولئك هم الظالمون و في أخرى فأولئك هم الفاسقون.والقضاء يعني القانون أي أن الدولة الإسلامية يجب أن يحكمها القانون الإسلامي (الشريعة) فالدولة التي لا يحكمها قانون إسلامي هي دولة ليست إسلامية بتعبير القرآن الكريم فهي إما دولة كافرة أو ظالمة أو فاسقة, وهذا ما قصده سيد قطب رحمه الله عن الحاكمية ،لأن هناك من قال أن سيد قطب قد أخلط بين السياسة التي يحكمها الخطأ والصواب وبين العقيدة التي يحكمها الكفر والإيمان لأن قضية الحاكمية لله هي في حقيقة الأمر من العقيدة وليست من الفروع. وسيد قطب رأى أن الدولة القومية أو الدولة الديمقراطية التي يشرع فيها البرلمان تحكم بغير ما أنزل الله ولكننا إذا تعمقنا في أصول النظام الديمقراطي الغربي سنجد أن البرلمان عبارة عن آلية للتشريع مرجعيتها هي العلمانية والقانون الوضعي أما إذا أقمناها في الدولة الإسلامية فإن مرجعيتها ستكون إسلامية فالديمقراطية في الغرب ما هي إلا جسد روحه العلمانية.
         فالتشريع قائم في الدولة الإسلامية سواء قام به البرلمان أو قام به الحاكم (الرئيس) أو الفقهاء ولكن المعيار هنا هو المرجعية  فالدولة الإسلامية يجب أن تكون مرجعيتها إسلامية. والمرجعية هنا لا تعني تقييد الحركة والحياة السياسية داخل الدولة وإنما التشريع لابداّ له من مرجعية ،وبما أننا مسلمون يجب أن تكون مرجعيتنا إسلامية هذا شيئ طبيعي .
         فمثلا  الدولة التي ينص  دستورها على أنها دولة إسلامية فإن البرلمان فيها إذا أراد أن يشرع قانون ما فيجب أن يكون هذا القانون دستوري(لا يخالف الدستور)أي لا يخالف الشريعة الإسلامية .
         فالديمقراطية لا تمس  قضية الحاكمية في شيء وإنما هي آلية لتهذيب الصراع بين مختلف مكونات الدولة ,ومن وقع في هذا التوهم فقد أخلط بين الديمقراطية والعلمانية في الغرب لأن القانون في الدولة الغربية مرجعيته علمانية وإنما البرلمان هو عبارة عن مؤسسة لاستصداره  فقط .
         أما الفكرة الأخرى التي جاء بها سيد قطب هي فكرة الجاهلية التي اعتبر فيها أن المجتمعات الإسلامية عادت إلى الجاهلية التي كانت قبل الإسلام لأنها تخلت عن الأخلاق والمبادئ والأحكام الإسلامية وهذه الفكرة جعلت كثير من المتأثرين بكتابات سيد يحكمون على المجتمعات الإسلامية بالكفر ولكن سيد قطب لم يكن يقصد تكفير المجتمعات الإسلامية بالكفر بقدر ما كان يقصد أنها ابتعد عن الأخلاق الإسلامية وهذا لا يخالفه فيه أحد .
  ربما يتساءل البعض عن سبب رواج أفكار سيد قطب في حين أن هناك أفكار أخرى طرحها مفكرون آخرون لم تلق آذان صاغية .
         من الأسباب التي ساعدت على رواج أفكار سيد حسب ظني هي قوة تبحره في علوم القرآن الكريم والتفسير فهو دائما ما يدعم فكرته بمجموعة من الآيات القرآنية كذلك أسلوبه الأدبي المؤثر ،حتى أن القارئ لأفكاره وخاصة في كتابه في ظلال القرآن يجد أن أسلوبه له تأثير وجداني كبير ،كذلك طريقة تعامل خصومه معه التي انتهت بإعدامه سنة 1965م جعلت أفكاره تنتشر انتشار النار في الهشيم.
  
 فلو لخصنا الحديث عن الديمقراطية والنظام السياسي الإسلامي فهناك ميزة أساسية من ميزات  وطبيعة النظام الإسلامي عموما، فالإسلام  لما تكلم عن الحياة الإنسانية أقر بأن فيها ثوابت لا تتغير على مدى العصور. وهناك متغيرات باعتبار الزمان والمكان... والحياة السياسية بطبيعتها متغيرة ولا يمكنها أن تثبت على حال معينة فلو أعطانا الإسلام نظام سياسي للحكم وألزمنا به على مدى العصور لا كان هذا سبب لإعاقة نمو تطور الحياة السياسية والاجتماعية .
في الحقيقة إن الإسلام بشقيه النظريين الذين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لم يعطيا لنا نظاما سياسيا بين المعالم وإنما ألزمنا الإسلام بمجموعة من المبادئ الأخلاقية كمبدأ الشورى الذي اعتبره القرآن الكريم ميزة أساسية من ميزات الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الأمة الإسلامية ..
يقول تعالى ((وأمرهم شورى بينهم)) .
كما أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يستشير أصحابه في كل صغيرة وكبيرة حيث يقول تعالى ((وشاورهم في الأمر)) وهذه الآية نزلت كما يقول علماء التفسير بعد غزوة أحد التي لم يفلح فيها الجيش الإسلامي بسبب مخالفته لنصائح وإرشادات الرسول r فمع أن كتاب السيرة النبوية يقولون أن النبي  r لم يكن يودّ أن يخرج الجيش الإسلامي لخارج المدينة لمجابهة جيش قريش ومع ذلك أخذ برأي أصحابه الذين كانوا يرون أن في مقاتلة جيش قريش خارج المدينة خير من انتظاره حتى يدخل المدينة المنورة.
ومع ذلك فالله الحكيم العليم ينزل آيات تلزم النبي باستشارة أصحابه وهذا تكريس لمبدأ  الشورى داخل الحياة الإسلامية.
 فالنبي r كان يستشير أصحابه في كلّ صغيرة وكبيرة فمثلا في غزوة بدر يروي لنا كتاب السيرة أن النبي r جاء أدني ماء من بدر فنزل عنده  فقال له الخباب بن المنذر : يا رسول الله  أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتفهمه ولا أن نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب  والمكيدة؟  قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ،فقال الخباب :يا رسول الله ليس هذا بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب و لا يشربون ،فقال له النبي  r  :لقد أشرت بالرأي وعمل برأيه،وفي رواية ابن عباس عن سعيد أن جبريل نزل فقال للنبي r الرأي ما أشار به الخباب بن المنذر .
وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أسرى بدر فاختلفا في الرأي  فقال ((لو اجتمعتما عصيتكما)) وكان رأيه موافقا لرأي أبي بكر فنفذه ثم نزل الوحي بما يؤيد رأي عمر وهو قوله تعالى((ما كان لنبي أن يكون له أسرى يثخن في الأرض))
  فقال r لعمر )) كاد يصيبنا في خلافك شرّ)) ....وروايات أخرى  كثيرة عن استشارة النبي لأصحابه.
 وأما الآثار عن الخلفاء الراشدين في مسألة الشورى فكثيرة منها ما رواه الدارمي و البيهقي عن ميمونة بن مهران أن أبا بكر كان يسأل عامة المسلمين فيما لا يجد فيه نص من الكتاب والسنة هل يعلمون عن النبي rفيه شيء فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضي فيه بكذا فيأخذ به ويحمد الله تعالى.وأيضا عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك .
إذا فمبدأ الشورى هو ركن أساسي من أركان الحياة الإسلامية ويجب على المسلمين في أي عصر من العصور أن يضعوا نظاما سياسيا يحكمهم ويحقق هذا المبدأ (الشورى) .
كذلك من المبادئ السياسية التي دعا إليها الإسلام بل وركز عليها في كثير من الآيات القرآنية نجد مبدأ العدل.
 يقول تعالى: ((أن الله يؤمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..)) .
ويقول أيضا ((لقد أرسلنا رسلنا بالبيانات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...)) .
كما أمر الإسلام بمجموعة من المبادئ والأخلاق التي يجب أن تتوفر في المجتمع الإسلامي فيقول الفقهاء أن هناك مقاصد أساسية تقوم عليها الشريعة الإسلامية وهي التي أقرها الشاطبي في كتابه الموافقات (حفظ النفس، حفظ العقل ،حفظ المال ،حفظ العرض ،حفظ الدين) .فيجب أن يسعى النظام الاجتماعي والسياسي داخل الدولة الإسلامية إلى تحقق هذه المقاصد فكل التشريعات التي جاءت في الإسلام فهي تسعى إلى تحقيق هذه المقاصد و حفظها داخل المجتمع الإسلامي.
         كما يعد مبدأ الحرية من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية إبتداءا بحرية الاعتقاد التي تسمح حتى بالكفر لمواطني الدولة الإسلامية نفسها  .
يقول تعالى ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي........)).
ويقول ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ........))
ويقول((.....أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) .
ويقول ((وما أنت عليهم بوكيل)) .
         أما عن الحرية السياسة ومخالفة السلطة الحاكمة فأكبر دليل على إقرار الدولة الإسلامية للحرية السياسية الفتنة الكبرى التي بدأت بمعارضة سياسة قوية أدت إلى  نشوب حرب وفتنة بين الصحابة رضوان الله عليهم استعملوا فيها حتى المواجهة العسكرية كوسيلة للتغيير.
وهناك مقولة للخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب يقرر فيها المبدأ الذي أصبح مضمونه من مبادئ  الأمم المتحدة في القرن 20 هـ حيث يقول          (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) هذا من حيث المبادئ أما من حيث الآليات فلم يضع الإسلام آلية محددة للحكم  ,وإنما ألزم الأمة بتطبيق هذه المبادئ بأي آلية تجدها نافعة و مناسبة للعصر الذي تعيشه هذه الشعوب المسلمة، فكان لزاما على الأمة الإسلامية في كل عصر أن تضع نظام للحكم بما يناسب واقعها  الذي تعيش فيه والآن في عصرنا الحاضر قد ابتدع الفكر الإنساني الديمقراطية كنظام محكم لإدارة شؤون الدولة بطريقة تحمى الحاكم والمحكوم.
والقاعدة الإسلامية في قضية المتغيرات هي الحديث النبوي (( الحكمة ضالة  المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها)) عكس الثوابت التي لا اجتهاد فيها  وإنما يجب تطبيقها كما هي .
فعلينا الآن أن نأخذ أصول وآليات النظام السياسي الديمقراطي فإذا وجدناها تحقق لنا المبادئ التي ألزمنا بها الإسلام فيجب أن نأخذ بها أما إن وجدناها تخالف هذه المبادئ تركنها.
فمبادئ الديمقراطية كما ذكرناها من قبل هي :
-استقلالية القضاء وسيادة القانون.
- الفصل بين السلطات .
- حماية الحريات العامة.   
- التداول على السلطة.
تروى لنا كتب السيرة أن الخليفة عمر  بن الخطاب أثناء حكمه للدولة الإسلامية  دخل على علي ابن أبي طالب الذي كان يشغل منصب القاضي ليبلغه بأن جريمة زنا قد وقعت فقال له على ابن أبي طالب : يا أمير المؤمنين هل لك أربعة شهود؟ فأجابه عمر بن الخطاب :ليس لي شهود مع أنه رئيس الدولة آنذاك ، فقال له علي ابن أبي طالب :إن ذكرت اسم صاحب الجريمة أقمنا عليك حدّ القذف .
وهذه وقفة تبين لنا مدى سيادة القانون في زمن الخلافة الراشدة فلا سيد آنذاك إلا القانون الذي هو الشريعة الإسلامية ،وهناك روايات كثيرة تأكد على وجود مبدأ استقلالية القضاء وسيادة القانون في المبادئ السياسية الإسلامية .
وكذالك بالنسبة لقضية الفصل بين السلطات فهذا المبدأ يعني عدم سيطرة سلطة من سلطات الدولة الثلاثة على السلطات الأخرى وقد وجدنا في هذه الواقعة أنفة  الذكر أن رئيس الدولة الذي هو عمر ابن الخطاب والذي يمثل السلطة التنفيذية داخل الدولة الإسلامية لم يتدخل في صلاحيات السلطة القضائية التي يمثلها على  علي  ابن طالب وبالتالي إذا أخذنا بهذا المبدأ الآن فنحن لم نأتي بشيء مبتدع في الفكر السياسي الإسلامي وإنما نطبق المبادئ التي أمرنا أن نتمسك بها .
ربما من الإشكالات التي جعلت كثير من الإسلاميين يرفضون الديمقراطية ويعتبرونها خروج عن مبادئ الإسلام هي نظرتهم إلى قضية السيادة وقضية الحرية التي أحدثت في الغرب ما لم تحدثه الحضارات الطاغية من قبل, فإذا سألت الإسلاميين الذين يرفضون الديمقراطية عن سبب رفضهم لهذا النظام فسيجيبونك أن الديمقراطية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية أباحت الحرية المطلقة لمواطنيها فظهرت الفاحشة وطغت على الحياة الاجتماعية وظهر الشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية حتى إن هناك في الغرب منظمات خاصة بالشذوذ ،وهذا ما أدى إلى تفكك الحياة الأسرية والمنظومة الأخلاقية داخل تلك المجتمعات .
ولكننا إذا نظرنا نظرة معمقة للحياة الاجتماعية والسياسية داخل المجتمعات الغربية فإننا سندرك أن كل هذه الأمور أحدثتها العلمانية والفكر اللاديني الذي طغى على الحياة الأوربية ابتداء من القرن  19 م وهذا لا دخل له بالديمقراطية إنما الديمقراطية هي مجموعة من الآليات والقوانين التي تدير شؤون الدولة ،فإذا كان سكان الدولة متدينين فستعكس الديمقراطية هذا التدين على الحياة السياسية وأما إن كان هذا الشعب علماني فالديمقراطية ستعكس هذه الأخلاق العلمانية على الواجهة السياسية وهذا ما حدث في المجتمعات الغربية العلمانية فإذا جئنا بنظام ديمقراطي إلى المجتمع الإسلامي فلن يحدث مثلما حدث في الغرب لأنه كما قلنا الديمقراطية في الغرب جسد روحه العلمانية أما نحن فسنقيم ديمقراطية روحها الإسلام .
فالديمقراطية تعكس ثقافة الشعب الذي تقوم فيه فمثلا الآن الديمقراطية الأمريكية ليست كالديمقراطية الفرنسية وليست كالديمقراطية الهندية أو الإيرانية أو اليابانية ،فكل حسب ثقافته وحسب معتقده الديني .
أما الإشكال الثاني الذي يكفر به رافضو الحكم الديمقراطي هو مبدأ السيادة ،فهم يقولون أن السيادة داخل الدولة الديمقراطية للشعب وأن ما يريده الشعب يطبق حتى لو كان مخالفا للدين ، وهم يقولون أن السيادة داخل الدولة الإسلامية هي لله وللشريعة الإسلامية .
فهل حقيقة أن الشعب داخل الدولة الإسلامية لا يملك السيادة؟
إن المتأمل  في الآيات القرآنية والأوامر الإلهية يجد أن معظمها تبدأ بـ  - يأيها الدين أمنوا- أي أن الله عز وجل يأمر المؤمنين مباشرة دون واسطة ودون وصي عليها .
والقرآن الكريم يقول ((لا إكراه في الدين))  ,   ((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))  فإذا فرضنا أن هناك شعب أراد الكفر والخروج عن الدين فله ذلك لأنه سيد نفسه وسيعاقب يوم القيامة على كفره أما أن نجعل هيئة ما  وصية على هذا الشعب تفرض عليه الدين فرضا فهذا ليس من الإسلام في شيء.
 قد يقول قائل أن لهذا الشعب أن يحل حراما أو يحرم حلالا داخل الدولة الإسلامية ،في الحقيقة أن قضية القوانين والتشريع هي مرتبطة بدستور الدولة فإذا أقرّ شعب ما الدين الإسلامي  كدين للبلاد في الدستور فإن الهيئة التشريعية داخل هذه الدولة الإسلامية لا تستطيع أن تحل حرام بينا أو تحرم حلالا بيّنا ،لأنها تخالف دستور البلاد والدستور هو القانون الأعلى في البلاد والقوانين المخالفة للشريعة الإسلامية هي قوانين غير دستورية.                                                                                                                                                                                                            وبالتالي التخوف الذي يخشاه رافضو الديمقراطية من الإسلاميين هو في الحقيقة وهم لا يمكن أن يحدث داخل هذه الدولة الإسلامية .
ونحن هنا لا نقدس الديمقراطية وإنما نقول كما قال تشرشر رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية الذي يقول أن الديمقراطية هي أسوأ النظم ،ولكنها أحسن الموجود .فقد يأتي الفكر الإنساني في المستقبل بنظام للحكم أحسن من الديمقراطية أما الآن فإن الديمقراطية هي أحسن الموجود وقد رأينا أنها لا تخالف المبادئ الأساسية للدين الإسلامي كما يتوهم البعض وبالتالي يجب علينا أن نأخذ بها وأن نطبعها بالروح الإسلامية التي ما إن تدخل على جسد حتى تنيره
.يقول تعالى (( يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم......)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق