walid.d81@gmail.com

صورتي
البسباس, ولاية الطارف, Algeria
أفكار تسعى الى إقامت دولة عربية ديمقراطية متقدمة وفقا للمرجعية الإسلامية

الأحد، 23 أكتوبر 2011

مستقبل الثورات العربية


مستقبل الثورات العربية

              الكثير منا يظن أن المستقبل سيكون زاهرا في الدول العربية بعد هذه الثورات المتتالية...لكن السؤال هنا هل الثورة غاية في ذاتها أم أنها وسيلة للتغيير كما هو معروف في علم الإجتماع.
فإذا كانت الثورة غاية في ذاتها كما يروج له الأن في الإعلام العربي فهذه مشكلة كبيرة فالثورة كما هو معروف في علم الإجتماع السياسي هي مرحلة حرجة و مؤلمة في تاريخ مجتمع ما بحيث ينتقل فيها هذا المجتمع من أسلوب للحياة السياسية و الإجتماعية الى أسلوب مخالف جذريا للأسلوب السابق..و الشرط هنا حسب هذا التعريف للثورة هو أن أسلوب الحياة السياسية و الإجتماعية الجديد يجب أن يكون مجمع عليه من طرف هذا المجتمع و يكون عنده تصور مسبق له و إلا فإن الثورة ستأكل نفسها و ستتحول الى إنقلاب إجتماعي و سياسي في هذا المجتمع...
أما إذا أسقطنا هذا على عالمنا العربي و على مصر خاصة بإعتبارها مركزا و نموذجا لهذا التغيير ,هل كان هناك تصور مسبق لأسلوب الحياة السياسية و الإجتماعية المنشود موجودا لدى غالبية الشعب المصري مثلا علاقة الدين بالدولة و السياسة أو علاقة الدولة بالإقتصاد هل كان مجمع عليه مسبقا أبدا لا و هذا مشكل كبير جدا لأنه في مرحلة الثورة كل النقاط المظلمة التي كانت مخزنة في العقل الباطن للمجتمع و تناقش على إستحياء فإنها ستخرج بقوة في مرحلة الثورة و قد قد تسبب مشاكل كبيرة...
و الحل المطلوب الآن هو لابدا من أن تناقش هذه النقاط الرمادية بكل صراحة أمام الملأ,قد يقول قائل أن هذه النقاط نوقشت و تناقش منذ زمن بعيد و لكني هنا أطالب بمناقشة هذه النقاط علنا أمام الشعب و المواطن البسيط لأن سلطة و قوة الدولة الأن هي لدى الشعب في مرحلة الثورة التي سيسلمها هذا الشعب لمن يثق به,وبالتالي لابدا أن يسمع المواطن البسيط هذه النقاشات و يختار بعدها ما يطمئن له,لأن مشكلتنا في العالم العربي و الإسلامي هي قضية أحتكار المفاهيم فإذا قلت علاقة الدين بالسياسة فالكل في مصر سيلتفت الى الإخوان المسلمين و هذا خطأ كبير أو تكلمت عن القومية سيلتفت الجميع الى الحركات القومية ...لأن الدين و القومية  هوية لكل المجتمع و ليس لطرف دون أخر...يا جماعة هل ناقش الفرنسيون علاقة الدين بالدولة قبل الثورة أم بعدها...حتى الأن فإنك لا تجد في فرنسا من يناقش العلمانية كعقيدة للدولة و المجتمع الفرنسي , قد يناقش تعريفها و مفهومها الدقيق لكن قضية مرجعيتها للدولة الفرنسية فهذا مسلم به.
قد تظنوني أدعو الى العلمانية و لكني أكبر مهاجم لها و لكني أتكلم عن علاقة الدين بالدولة و السياسة التي أدعو الى مناقشتها أمام الجمهور حتى يختار الأصلح عوضا من أن نترك فصيل أو حركة ما تحتكر هذا الموضوع لأنه قضية هوية تهمنا كلنا.

سنتكلم عن علاقة الدين بالدولة و السياسة لاحقا إن شاء الله...

الأربعاء، 2 فبراير 2011

مكانة المرأة داخل الدولة الإسلامية:


يرى البعض أنه بإقامة الدولة الإسلامية سنحرم ونمنع نصف المجتمع من العمل العام سواءا كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا .وهذه في الحقيقة افتراءات ما أنزل الله بها سلطان.
ومن يطلع على الأصول النظرية الأساسية للإسلام يرى ويعرف أن الإسلام قد ساوى بين الرجال والنساء في جميع الحقوق والواجبات بل وجعل النساء شقائق للرجال .
يقول (ص) ((النساء شقائق الرجال))
يقول تعالى ((من عمل منكم من عمل من ذكر أو أنثى ....))
              ((للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ))
         ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))
         ((يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل،إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))
يقول ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))
لكن الخلاف بين النظرية الإسلامية والنظرية الغربية للمرأة هو أن الحضارة الغربية تجعل مبدأ التناقض قائم بين جميع المتقابلات في الحياة .....فالتناقض قائم بين ما هو مادي وما هو روحي....وبن ما هو أخروي وما هو دنيوي ......و بين ما هو ديني عقدي وبين ما هو علمي .......بينما الحضارة الإسلامية والعقيدة الإسلامية تجعل هذه المتقابلات متكاملة فيما بينها فالروحي يكمل المادي والأخروي يكمل الدنيوي والديني يكمل العلمي والمرأة تكمل الرجل.
         وقد نتج عن هذا التناقض في النظرة الغربية بين الجنسين أن المرأة أو الجنس الأنثوي يسعى إلى الوصول إلى التساوي مع الجنس الذكري أو الرجل.
         فهدف المرأة الأسمى في الغرب أن تتساوى مع الرجل بينما في الإسلام المرأة يمكن أن تتساوى مع الرجل ويمكن أن تتفوق عليه ويمكن أن تتخلف عليه ........وهي في الحقيقة مكملة له فلا يمكن أن يعيش الرجل بلا امرأة والعكس صحيح ,بينما في الغرب بدأنا نسمع عن الشذوذ الجنسي واكتفاء الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وهذا الاختلاف  يدركه العامي قبل المثقف ،كما راعى الإسلام الاختلاف النفسي بين شخصية المرأة وشخصية الرجل وهذا ما أقرّه العلم المعاصر فالمرأة في النظرة الإسلامية لا تساوي الرجل من الناحية البيولوجية بل تكمله وأيضا لا تساويه من الناحية النفسية بل تكمله بينما في نواحي الحقوق والواجبات الدينية فليس بين الذكر والأنثى اختلاف قط.
((من عمل عملا منكم من ذكر أو أنثى....))
         فنتج عن هذا الاختلاف البيولوجي والنفسي بين الرجل والمرأة قضية القوامة التي جعلها ربنا جل و علا في يد الرجل...فإذا كانت الأسرة عبارة عن مؤسسة صغيرة والمؤسسة لا بدّا لها من مدير مسير ورئيس واحد يدير شؤونها والإسلام أعطى الرجل هذه القوامة لأنه هو الأصلح لها بحكم خبرته الحياتية وبحكم طبيعته البيولوجية .
كذلك بالنسبة لقضية الشهادة عند المرأة التي وردت في سورة البقرة:
((.....فأشهدوا شاهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى.....)) .
         فشهادة المرأة في هذه الحالة تساوي نصف شهادة الرجل وهذا ليس انتقاصا من شأن المرأة بقدر ما هو عدل في التعامل فقد عللت الآية سبب استشهاد امرأتين بدل امرأة واحدة هو النسيان ((...أن تضل إحداهما الأخرى...)) وهذا لأن المرأة في ذلك العصر بل وحتى الآن ليس لها خبرة واسعة في التعاملات المالية والتجارية.
لكن قف يقول قائل : هناك من النساء من هي أعلم من ألف رجل بالتعاملات المالية......نقول أن التشريع دائما يتعامل مع العموم فعموم النساء في العالم ليسوا كذلك فالقانون دائما لا يتعامل مع الحالات الخاصة وإنما مع العام .
        إذن فعلة هذا الحكم هي النسيان كما أقرها الفقهاء والمفسرون….وكما قلنا من قبل أن الحكم يدور مع العلة في الفقه الإسلامي …….فإذا ما انتفت هذه العلة وأصبح عموم النساء لهم خبرة بالأمور المالية فالحكم حتما سيتغير حيث يقول الإمام محمد عبدو في هذه الآية ((…لقد تكلم المفسرون في هذا -التمييز بين شهادة المرأة وشهادة الرجل في الدين) ،وجعلوا سببه المزاج،فقالوا:إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ،وهذا غير محقق ،والسبب الصحيح :أن المرأة ليس من شأنها الانشغال بالمعاملات المالية ونحوها من المفاوضات ،فلذالك تكون ذاكرتها ضعيفة ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية ،التي هي شغلها ،فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ،يعني أن طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر انشغالهم بها ولا ينافي ذلك انشغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية ،فإنه قليل لا يعول عليه ،والأحكام العامة إنما تناط بالأكثرية  في الأشياء وبالأصل فيها……)).
نفس الشيء بالنسبة لقضية الميراث ،فلإسلام أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين في ميراث الأبناء لآبائهم:
((….فللذكر مثل حظ الأنثيين…)).
         فالإسلام لمّا قرر هذا الحكم لم يقرره اعتمادا على طبيعة جنس الوارث ذكرا كان أم أنثى ،وإنما قرره اعتمادا على تبعات كل منهما ،فورث الأنثى نصف ما ورث الذكر .ولم يلزم الأنثى بالنفقة في البيت بشيء وإنما هذا النصف هو لها وحدها بينما الذكر فقد ألزمه بالنفقة على الأنثى وعلى بيته....فإذا نظرنا إلى هذا الحكم نظره عادلة موضوعية سندرك أن الإسلام قد كرّم المرأة هنا وأعطاها أكثر من الرجل.
وهناك حالات عدة الأنثى تأخذ في الميراث أكثر من الذكر وإنما هنا الأمر متعلق بالأبناء فقد كان العرب في الجاهلية يحرمون الأنثى من الميراث فجاء الإسلام وأعطاها هذا الحق .
         ربما يقول قائل :لماذا لم يعط الإسلام الأنثى مثل الرجل في الميراث ويكلفها هي أيضا بالنفقة على البيت ونحل هذا الإشكال.....؟
نقول أن هذا الحكم فرع عن أصل قد قرره الإسلام وهو أن قوامة الأسرة تكون للرجل وليس للمرأة وهذا كما قلنا بسبب طبيعة كل منها النفسية والبيولوجية .....والقوامة لا تكون لأثنين لأن هذا سيؤدي إلى النزاع وإفشال هذه الأسرة ........فأعطى الإسلام القوامة للرجل وألزمه بالنفقة على المرأة.وأعطى المرأة نصف حظ الرجل في الميراث ولم يلزمها بالنفقة على أحدو إنما هو خالص لها ...........فأي تكريم أكبر من هذا التكريم......؟
هذا بالنسبة لأحكام التي جاءت صريحة في القرءان والسنة النبوية بشأن المرأة .أما الأحكام التي وضعها الفقه الإسلامي فيما بعد بشأن المرأة فربما تتلخص في قضية تولي المرأة للولاية العظمى أما قضية منع الفقه الإسلامي لتولي المرأة للولاية العظمى (رئيس دولة الإسلامية) فجمهور الفقهاء بنوا هذا الحكم على حديث نبوي واحد وهو في الحقيقة ليس صريحا في تحريم هذه الولاية للمرأة.
ونص الحديث هو:
يروي الصحابي "أبو بكرة" رضي الله عنه هذا الحديث فيقول:
قال رسول الله :من يلي أمر فارس؟
قالوا: امرأة .
فقال رسول الله ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة.
فهذا الحديث في الحقيقة لا يقرر حكما فقهيا بتحريم ولاية المرأة للدولة وإنما هو عبارة عن نبوءة سياسية للنبي  بشأن دولة فارس التي انهارت فيما بعد على يد الدولة الإسلامية .
وفي الحقيقة هذا هو الحديث الوحيد التي يتكلم عن ولاية المرأة وهو كما قلنا لا يصرح بحكم  التحريم بقدر ما هو نبوءة ووصف لحالة دولة فارس آنذاك .
         بل القرءان الكريم لمّا تكلم عن مملكة سبأ التي كانت تقودها امرأة وصف سياسة هذه الملكة لدولتها وصفا يعتبر مدحا لهذه السياسة التي تنتهجها هذه الملكة بشأن مشاورة أهل الخبرة في الجيش بشأن الكتاب الذي بعث إليهم من عند سليمان عليه السلام.
يقول تعالى ((قالت يأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم،إنّه من عند سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ،أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها..........))
         أما قضية تولي المرأة للقضاء فقد اختلف الفقه الإسلامي في هذا الحكم، وهناك ثلاثة آراء شائعة في هذا الأمر وهي :
يرى فقهاء المذهب الشافعي أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء وقد قاسوا هذا الحكم على الولاية العظمى فبما أن الولاية العظمى لا تصح للمرأة فكذالك القضاء ...وقد تكلمنا عن قضية الولاية العظمى التي لم يمنعها الإسلام صراحة كما نعتقد بل النصوص الإسلامية الكلية العامة تقضي بأن لا نمنع المرأة من هذا المنصب بحكم جنسها ،و يرى فقهاء المذهب الحنفي أن المرأة يجوز لها تولي القضاء فيما عدا القضاء في القضايا (القصاص والحدود) وذلك لأنهم قاسوا تولي القضاء على الشهادة فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه أي فيما عدا (القصاص والحدود) .ونحن قد تكلمنا في شهادة المرأة وقلنا بأن حكم القرءان الكريم على أنها نصف شهادة الرجل بسبب قلة خبرتها في مجال المعاملات المالية وأنه إذا ما انتهى هذا السبب سيتغير الحكم إلى الإيجاب .
وفي الحقيقة ففي عصرنا الحالي القضاء أو منصب القاضي لا يصل إليه الفرد إلى بعد دراسة وخبرة ومسابقات تكون المرأة قد كسبت خبرة كافية لتولي هذا المنصب .
        أما الرأي الفقهي الثالث هو رأي المذهب الظاهري ابتداءا بمؤسس المذهب الإمام محمد بن جرير الطبري فقد حكموا بذلك لقياس القضاء على الفتيا .والمرأة يجوز لها الفتيا بعد التعلم طبعا فكذلك القضاء يجوز لها بعد التعلم والتمكن .
وهناك أمر آخر هو أن القضاء الآن في وقتنا المعاصر يختلف في الحقيقة عن القضاء في القديم ،ففي القديم كان القاضي يحكم باجتهاده هو و استنباطه للحكم الفقهي بعد دراسته للقضية في ضوء الكتاب والسنة ....بينما في وقتنا الحاضر فالقاضي لا يجتهد في استنباط الحكم من النصوص المطلقة ( القرءان والسنة) وإنما هناك جهاز آخر له هذا العمل ...بينما القاضي فينزل هذا الحكم فقط على القضية التي أمامه والاختلاف الآخر هو أنه في وقتنا المعاصر القاضي لا يعمل وحده وإنما هناك مستشارين ومحاميين يناقشون معه القضية التي  بين يديه وهذه الأمور تدفع كل غلط يمكن أن يقع من القاضي ....وأيضا هناك درجات للمحاكم من استئناف ونقض وهذه الأمور كلها يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في دراسة هذه القضية و في الحكم عليها بالجواز أو المنع.
فكل هذه الأمور تجعلنا نتريث أمام منع المرأة من هذا المنصب الذي هي تشغله في وقتنا الحاضر في معظم الدول الإسلامية وهي ناجحة فيه ولا يوجد أي إشكال يعترضها وبالتالي فلا مانع فقها من تولي المرأة للقضاء والله أعلم .

تسابيح الثورة......بين مصر و تونس

تسابيح الثورة......بين مصر و تونس                                                                                          ليلة الجمعة ٢٨ جانفي

مثلي البارحة و أنا جالس أمام شاشة التلفزة و عيناي تجرف دموعا شجنا مما أرى منتظرا ذلك النبأ العظيم (نبأ خلع حسني مبارك) كمثل رجل في المستشفى ينتظر ميلاد إبنه من أم هي الثورة....كنت أنتظر ممرضة قناة الجزيرة أن تقول لي أن الام قد ولدت طفلا كريما حتى أخبرتني أن الأمر خطير يحتاج لوقت طويل،فزادت من شجني و دارت في ذهني أفكار كثيرة منها فكرة العقد الإجتماعي لجون جاك روسو الأب الفكري للثورة الفرنسية ، فبحثت عن مثيلتها في عالمنا العربي فلم أجد غير الفكرة التي كتبها بدمه أب الثورة التونسية الشاب البوعزيزي التي تقول:حرية كرامة عدالة إجتماعية...ثم بعد هنيهة خرج على طبيب المستشفى و قال لي و هو يشجبني:كيف تنتظر ولدا من أم ليست بحامل،صدمت حينها و جثوت على ركبتيا حزنا و أخذت هاتفي النقال لأسأل أستاذي في علم السياسية العربية ليخبرني مايلي:

ياولدي إن النظام المصري ليس كالنظام التونسي و إن كانا يشتركاني في امور كثيرة فكليهما دكتاتوريا و كليهما قمع شعبه و لكن لا ننسى نقاط أخرى أساسية يا ولدي:
- مصر فيها سفارة إسرائيلية و حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الامريكية.
- تونس ليس فيها إخوان مسلمين لأن أغلبية المتظاهرين من منظمات و نقابات للشغل،أما مصر فأغلبية المتظاهرين هم من الإخوان و هذا ما يرفضه الغرب و حلفاؤه.
و بينما كنت أتكلم مع أستاذي على الهاتف حتى دخل أبي و عيناه محمرتان فقال لى و هو يرتعش غيضا و غضبا على ما يحدث : ألا بعدا لمبارك كما بعد زين العابدين ، ألا سحقا لمبارك كما سحق زين العابدين، و أخر دعوانا أن اللهم أنصر الثائرين.

الثورة.....المنعرج التاريخي:

الثورة.....المنعرج التاريخي:

الثورة كما يعرفها علماء الإجتماع و السياسة هي تغير جذري في بنية المجتمع السياسية و الأجتماعية فبنية المجتمع قبل الثورة تخالف بل و تناقض في كثير من الأحيان بنيته قبل الثورة....ففرنسا ما بعد ثورة 1789 تناقض فرنسا ماقبل 1789 ، و بريطانيا ما بعد ثورة 1668 تناقض بريطانيا ما قبل 1668،و الو.م.أ بعد ثورة 1776 نفس الشئ.

و سنة التاريخ و قانونه أن تلك المنعرجات في تاريخ المجتمعات لا تتم مجانا و إنما لابدا من ضريبة يدفعها أفراد ذلك المجتمع ، فالإنسان عندما ينتقل من المرحلة الجنينية في بطن أمه الى مرحلة الحياة الدنيوية ،تدفع أمه ضريبة الألم الشديد الذي تعانيه، ولا يدرك ذلك الألم إلأ من رأى المشهد أمامه و في بعض الأحيان تدفع الام حياتها ضريبة لهذه المرحلة، و لكن سرعان ما تنتهي تلك الحالة و ينمو الطفل و يكبر....و كذلك عندما ينتقل الإنسان من مرحلة الطفولة الى مرحلة الرشد و الرجولة فهو يمر بمرحلة فاصلة و خطيرة هي مرحلة المراهقة التي قد يقوم فيها الطفل بتصرفات طائشة تؤذيه او تؤذي أهله، و كذلك ثورة الشعوب.
و بالتالي فما يقوله البعض من أن ثورة الشعب في مصر و قبلها ثورة الشعب التونسي أدت الى حدوث عمليات نهب و ترويع كنا في غنا عنها  فلو صبرنا لأنتقلنا الى الديمقراطية و الحرية بطريق سلسة سلمية....و هذه مثاليات الشعراء لا توجد قاموس ثورات الشعوب عبر التاريخ.
صحيح بالإمكان أن نخفف من ألم المرأة أثناء الولادة ببعض العقاقير و الأدوية أو نوجه الطفل في مراهقته و نرشده حتي يمر بها بسلام ، و كذلك الشعوب في ثوراتها يمكن أن نهذب الإحتجاجات و المظاهرات للتخفيف من الضحايا و الخسائر و لكن لا يمكن أن نجعلها وردية مثالية كما يقول البعض.... فساعة و احدة في حياة الحرية و الديمقراطية ستنسينا عذاب و مشقة الدكتاتورية لعقود عدة كما تنسى الام عذابها عندما ترى طفلها أمامها.

لا يمكن لهذه الثورة أن تفشل لأن فشلها هو بمثابة تأجيل للتحول الديمقراطي لعقود بل و لقرون عدة.

مصر.....عندما تموت السياسة:

مصر.....عندما تموت السياسة:

لا يمكن أن نصف ما يحدث في مصر الأن إلا أنه موت للسياسة لان السياسة هي لغة الإتصال بين الحاكم و المحكوم و ألف باء تلك اللغة في النظم الديمقراطية هي المظاهرات،و الإنتخابات فالحاكم ينصب بالإنتخابات و ينزع أو يغير الإنتخابات أو المظاهرات ...
فالمشكلة في مصر الأن أصبحت بين المتظاهرين و الو.م.أ التي ترفض زوال نظام مبارك لأنه يمثل مرتكزا ترتكز عليه السياسية الخارجية للو.م.أ في المنطقة وبالتالي فنهاية ذلك النظام هي نهاية لكل المعاهدات و الإتفاقيات التي بذلت الو.م.أ أكثر من نصف قرن لتحققها....
و للضغط على النظام الأمريكي لابدا من إقناع الرأى العام الأمريكي لأنه هو الوحيد الذي يمكنه تغيير السياسة الخارجية للو.م.أ ، من أجل ذلك أغلقت الحكومة المصرية قناة الجزيرة لأن الجزيرة هي الوحيدة التي يمكنها التأثير على الرأي العام العالمي و الإمريكي بصفة خاصة ، لأن المشكلة الأن لم تعد بين الشعب المصري و النظام المصري و إنما هي بين الشعب المصري و النظام الأمريكي.
لذلك فعلى المصريين أن يصبروا و يزيدوا من تظاهراتهم فلو خرجت اليوم مظاهرات مليونية كما خططت له قوى المعارضة فإن الامر حتما سينتهي و يندثر نظام حسني مبارك ...لكن صعوبة الإتصال بين قيادات المعارضة و الشعب المصري قد تكون حاجزا أمام تحقيق المظاهرات المليونية و هذا هو التحدي الذي يجب على قوى المعارضة أن تتغلب عليه في الظروف الراهنة .

الثلاثاء، 11 يناير 2011

النظام السياسي الإسلامي والديمقراطية:


           من المفاهيم التي طغت على الساحة الإعلامية والساحة الصحفية   خاصة في نهايات القرن ال20 م وبدايات القرن 21 م ,فلا تفتح قناة فضائية أو تقرأ مقالا إلا وجدت حديثا مباشرا أو غير مباشر عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي .
هذا فيما يخص الذكر أمّا فيما يخص الحكم فقد اختلفت فيها الأحكام , فهناك من اعتبرها كفرا وخروج عن الدين الإسلامي لأنها تعطي الحكم لغير الله جل وعلا وهناك من اعتبرها الحل الشافي لمشكلة التخلف في دول العالم الثالث (الإسلامي بالطبع) حتى وإن أخذت بدون وصفة طبية.
          أما نحن في هذه الأسطر فسنحاول أن نقدم رؤية مفصلة عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي من الناحية الفلسفية والنظرية ومن ناحية تطبيقها في النظام الغربي الأوربي , ثم نقيم مقارنة بينها وبين النظام الإسلامي كي نستطيع أن نجيب على السؤال الجوهري بالنسبة لهذه القضية ...هل يمكن قيام دولة ديمقراطية وفي نفس الوقت إسلامية.
فما هي الديمقراطية ؟ ومتى نشأت وأين نشأت وما هي مبادئها الأساسية...؟
         الديمقراطية كنظام للحكم قديم قدم الفكر الإنساني حيث ترجع أصولها الفكرية إلى الفلاسفة اليونان كأرسطو الذي تكلم بالتفصيل عن الديمقراطية وكذلك أستاذه أفلاطون الذي ألف كتابا عنها سماه الجمهورية .
         الديمقراطية كلمة يونانية الأصل مكونة من قسمين DEMOS وتعني حكم CRACY وتعني الشعب أي حكم الشعب وقد أقيمت ديمقراطية لأول مرة في مدينة أثينا  اليونانية حيث كان الشعب أو المواطنون هم الذين يسوسون مدينتهم باستثناء العبيد والنساء والفلاحين فليس لهم حق التصويت في إصدار القوانين أو اختيار الحكام ......فهي إذا ديمقراطية الأغنياء ومع هذا فهي تجربة فريدة في ذلك العصر.
          وهناك من يرجع الأصل اللغوي لكلمة ديمقراطية إلى الأصل الفارسي وتتألف من قسمين -دهمو كْراسي- أي باللغة الفارسية كرسي الدهماء .
 المهم أن المعنيين متقاربين أي أن الديمقراطية هي نظام يمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه .
ثم تطورت فكرة الديمقراطية عبر العصور من دولة أثينا إلى غاية العصر الحديث أين وصلت الفكرة الديمقراطية والنظام الديمقراطي إلى نظام سياسي حقيقي متماسك كما هو موجود الآن في بعض الدول الأوربية كبريطانيا وفرنسا .......الخ حتى اعتبرها البعض (أي الديمقراطية) النظام السياسي الوحيد الذي استطاع أن يخفف حدّة الصّراع بين الحاكم والمحكوم فمن معان السياسة ذلك الشدّ والجذب بين الحاكم والمحكوم ,وتاريخيا فإن الحاكم هو المسيطر دائما على المحكوم ،والمحكوم لا يملك إلا أن يرضى بما أعطاه له الحاكم ،ولكن الديمقراطية استطاعت أن تحقق ذلك التكافؤ والعدل في سياسة الدولة بين الحاكم والمحكوم ,فأصبح الحاكم في خدمة المحكوم بعد أن كان هو المخدوم من طرف المحكوم ,فبإمكان الشعب محاكمة رئيسه بل وإبعاده عن الحكم إذا خالف ما عاهد عليه منتخبيه.
         وقد بنيت أصول الديمقراطية الحديثة كنظرية سياسية للحكم على يدّ مجموعة من المفكرين الأوربيين كتوماس هو بز و جون لوك  و جون جاك روسو منظر الثورة الفرنسية حيث  تكلم هؤلاء المفكرون عن قضية العقد الاجتماعي كأصل أولي لبناء الدولة في التاريخ الإنساني ناقشوا كذلك قضية السيادة داخل الدولة هل هي للشعب ؟ أم هي للحاكم ووصلوا في الأخير إلى أن السيادة في حقيقة الأمر هي للشعب وقد فوضها هذا الشعب إلى من ينوب عنه في سياسة أمور الدولة والمجتمع وهذا ما أقره جون جاك رسو في كتابه عن العقد الاجتماعي في أواخر القرن 18م .
         كما ناقش المفكر مونتسكيو في قضية الديمقراطية فكرة أو مبدأ الفصل بين السلطات في كتابه "روح القوانين" الذي اعتبر فيه أن فكرة أو مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية ،التنفيذية ،القضائية) ركن أساسي من أركان النظام الديمقراطي الحقيقي .
فما إن وصلت الحضارة الغربية إلى نهاية القرن 19م وبدايات القرن 20م حتى وصلت فكرة الديمقراطية إلى أوجها .
فلو أجملنا الأركان أو المبادئ الأساسية لإقامة نظام ديمقراطي كما وضعها مفكرو هذا النظام السياسي فهي كما يلي :
-صيانة الحريات العامة(حرية الملكية وحرية التعبير.....).
         -التداول على السلطة حيث يعتبر هذا المبدأ بمثابة مضاد لأي نوع من الديكتاتورية فلا يمكن لأي حاكم أن يحكم للأبد حتى وان كان عادلا حتى يستشير شعبه وفق انتخابات حرة دورية.
         -استقلالية القضاء وسيادة القانون لأن القانون  هو الآلية الموضوعية الوحيدة القادرة على الفصل بين المتنازعين ,ففي الدولة الديمقراطية يشعر المواطن  بأن هناك حارس موضوعي ومنفصل عن الحاكم والمحكوم يستطيع أن يحميه ويأتي له بحقوقه رغما عن الحاكم أما في الدول الغير ديمقراطية فإن القانون مطاط وقابل للالتواء من طرف أسياد تلك الدولة أو الحكام الحقيقيين سواء كانوا ظاهرين أو وراء الكواليس .
         -الفصل بين السلطات وهو المبدأ الذي تكلما عنه عندما تكلمنا عن مونتسكيو وكتابه روح القوانين  .
هذا في ما يخص المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن نحكم على أي نظام  أنه ديمقراطي حتى تتوفر فيه هذه مبادئ.
 هناك مبادئ أخرى فرعية ومنفصلة عن هذه المبادئ سنتطرق لها في صفحات هذا الكتاب.
 وفد مفهوم الديمقراطية مع تلك المفاهيم التي وفدت إلى العالم العربي والإسلامي مع الغزوة الاستعمارية الأوربية (العلمانية،الحداثة ،الرأسمالية ، الشيوعية ....) فبدأ في نهاية 19م وبداية القرن20م الفكر الإسلامي يناقش قضية الديمقراطية بين مؤيد ومنتقد لها .
         فاعتبر مفكرو النهضة العربية الأولى في النصف الثاني من القرن 19م أن الحكم الديمقراطي والدستوري هو الحل الوحيد لمشكلة التخلف والاستبداد في دول العالم الإسلامي ،فكان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو ينادون بإقامة برلمانات ودساتير في العالم الإسلامي ،وكانوا يرون أن الديمقراطية أو الحكم النيابي هو نفسه الشورى ذلك المبدأ السياسي الإسلامي الذي قامت عليه الدولة الإسلامية الأولى .
وفي الحقيقة كان همّ هذين المفكرين هو الخروج بالدولة الإسلامية من دائرة التخلف والتبعية للمستعمر ،وهذا بسبب انبهارهما بالحضارة الأوربية فلم يناقشا مثلا أصول الفكر الديمقراطي والنظرية السياسية الغربية ومدى موائمتها مع النظرية السياسية الإسلامية لأن في  وقتهم كان الرمز السياسي للحضارة الإسلامية موجود (شكلا دون مضمون) وهو النظام الخلافة ، لهذا كان همهم الأول هم السعي إلى تحقيق وحدة العالم الإسلامي والوصول إلى الحضارة التي سبقنا الغرب إليها .
         بينما في بديات القرن 20م وخاصة بعد حلّ نظام الخلافة على يدّ مصطفى كمال أتاتورك في تركيا بدأ المفكرون الإسلاميون يناقشون الأصول الرئيسية للفكر السياسي الديمقراطي الغربي .
         فظهر مثلا كاتب كعلي عبد الرزاق الذي كتب كتابا سماه الإسلام وأصول الحكم والذي أكد فيه على عدم وجود نظام إسلامي للحكم ،وأن الإسلام دين لا الدولة ورسالة لا حكم وقد ردّ عليه في ذلك الوقت نخبة من العلماء أثبتوا بالحجة الدامغة أن الإسلام دين و دولة ثمّ بعد حل نظام الخلافة على يدّ مصطفى أتاتورك 1924 م  بدأت تظهر مجموعة من الاجتهادات الفكرية تناقش فكرة الخلافة وهل هي نظام إسلامي ثابت يجب العودة إليه أم أنها رمز للوحدة الإسلامية التي يمكن تحقيقها بطرق أخرى .
في 1928م أنشئت أول حركة إسلامية تنادي بإعادة الإسلام إلى الحكم هذه الحركة هي الحركة الإخوان المسلمين بزعامة الإمام الشهيد حسن البنا الذي كان له مجموعة من الاجتهادات في مجال الحياة السياسية فمثلا رفض حسن البنا قضية تشكيل الأحزاب السياسية وذلك لأنها حسب رأي الإمام تؤدي إلى التفرقة والخلاف في حين أنا الإسلام ينادي بالوحدة ((وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأتقون)) .
         فالإمام الشهيد في هذه الفتوى راع الأحوال السياسية وحياة الأمة آنذاك حيث كان الاستعمار مسيطر على معظم الأراضي الإسلامية وبالتالي فإن قضية تشكيل الأحزاب السياسية ستؤدي إلى زيادة تشتيت جهود الأمة و تبعدها عن همها الأساسي و هو التخلص من الإستعمار و إعادة الخلافة الإسلامية و بالتالي فهي فتوى خاصة بذلك العصر وتلك الأحوال ونادي حسن البنا أيضا بتشكيل دستور معاصر في  الدولة المصرية آنذاك ويجب أن ينص هذا الدستور بكل وضوح على إسلامية الدولة كما سعي الإمام وحركة الإخوان المسلمين إلى الوصول إلى البرلمان معتبرين أنه السبيل الوحيد للسيطرة على السلطة في البلاد وتنفيذ برنامجها أي أن حركة الإخوان المسلمين والأستاذ حسن البنا في هذه الفترة كان إلى إقامت دولة نيابية يحكمها دستور إسلامي كما تبناها مفكرو النهضة العربية الأولى (الأفغاني محمد عبدو....) وبعد استشهاد حسن البنا سنة 1949م لم تظهر كتابات وآراء جريئة في الفكر السياسي الإسلامي عدا أفكار أبي الأعلى المودودي في باكستان وكتابات سيد قطب التي أثارت جدلا كبيرا على الساحة الإسلامية و لا تزال أثارها حتى الآن .
 فلا تكاد تجد محللا سياسيا غربيا كان أو شرقيا إذا أراد تحليل ظاهرة الإرهاب الدولي والأصول الفكرية لتنظيم القاعدة إلا وربط بينها وبين أفكار سيد قطب في خمسينيات  وستينيات القرن الماضي.
 في الحقيقة إن سيد قطب مفكر إسلامي من الطراز الأول وله أفكار سياسية واقتصادية وفقهية جريئة جعلته يحدث ضجة كبيرة على الساحة الإسلامية .
فسيد قطب شئنا أم أبينا صاحب مشروع حضاري كامل بدأه بتفسير القرآن الكريم –في ظلال القرآن- وكان ينوى كتابة في ظلال السنة ،كما ألف في الفلسفة والعقيدة الإسلامية كتابا سماه خصائص التصور الإسلامي ومقوماته الذي اعتبره البعض من أحسن ما ألف في القرن 20م إلى أن وصل إلى كتابه- معالم في الطريق- الذي يعتبر بمثابة برنامج أو خطة حركية للوصول إلى الدولة الإسلامية...
وقد طالب سيد قطب بتوقيف الاجتهاد الفقهي والتركيز على ترسيخ العقيدة الإسلامية لأنه اعتبر أن الإسلام توقف عن الوجود منذ زمن بعيد وبالتالي فلا يمكن أن نحل مشاكل فقهية لم ينتجها الإسلام وإنما أنتجتها الحضارة الغربية كمشكلات المصارف أو حقوق المرأة إلى غير ذالك من القضايا المعاصرة آنذاك.
كما اعتبر سيد قطب أن الجهاد في الإسلام هجومي في حين أن جمهور العلماء يقولون أن الجهاد في الإسلام دفاعيا (الجهاد بمعني القتال و المواجهة العسكرية)
أما الأفكار السياسية التي طرحها سيد قطب نجد فكرتي الحاكمية والجاهلية ،فالحاكمية حكم بها على كفر الدولة الديمقراطية أو القومية لأنها تحكم غير الله في تشريع قوانينها مستندا  في ذلك على مجموعة من الآيات القرآنية وهي :
((ومن يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))
ويقول تعالى((أفحكم الجاهلية يبغون........)).
ويقول تعالى ((إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبد إلا إياه)).
         فالحاكمية قضية فقهية ناقشها الفقهاء منذ القديم وهي تعني أن الحكم داخل الدولة الإسلامية لله وحده ((من أحسن حكما من الله لقوم يوقنون)) لكن معنى الحكم في هذه الآية و في آيات أخري كقوله تعالى ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) هو القضاء أي من لم يقضي بما أنزل بين المتنازعين فأولئك هم الكافرون و في أية أخرى فأولئك هم الظالمون و في أخرى فأولئك هم الفاسقون.والقضاء يعني القانون أي أن الدولة الإسلامية يجب أن يحكمها القانون الإسلامي (الشريعة) فالدولة التي لا يحكمها قانون إسلامي هي دولة ليست إسلامية بتعبير القرآن الكريم فهي إما دولة كافرة أو ظالمة أو فاسقة, وهذا ما قصده سيد قطب رحمه الله عن الحاكمية ،لأن هناك من قال أن سيد قطب قد أخلط بين السياسة التي يحكمها الخطأ والصواب وبين العقيدة التي يحكمها الكفر والإيمان لأن قضية الحاكمية لله هي في حقيقة الأمر من العقيدة وليست من الفروع. وسيد قطب رأى أن الدولة القومية أو الدولة الديمقراطية التي يشرع فيها البرلمان تحكم بغير ما أنزل الله ولكننا إذا تعمقنا في أصول النظام الديمقراطي الغربي سنجد أن البرلمان عبارة عن آلية للتشريع مرجعيتها هي العلمانية والقانون الوضعي أما إذا أقمناها في الدولة الإسلامية فإن مرجعيتها ستكون إسلامية فالديمقراطية في الغرب ما هي إلا جسد روحه العلمانية.
         فالتشريع قائم في الدولة الإسلامية سواء قام به البرلمان أو قام به الحاكم (الرئيس) أو الفقهاء ولكن المعيار هنا هو المرجعية  فالدولة الإسلامية يجب أن تكون مرجعيتها إسلامية. والمرجعية هنا لا تعني تقييد الحركة والحياة السياسية داخل الدولة وإنما التشريع لابداّ له من مرجعية ،وبما أننا مسلمون يجب أن تكون مرجعيتنا إسلامية هذا شيئ طبيعي .
         فمثلا  الدولة التي ينص  دستورها على أنها دولة إسلامية فإن البرلمان فيها إذا أراد أن يشرع قانون ما فيجب أن يكون هذا القانون دستوري(لا يخالف الدستور)أي لا يخالف الشريعة الإسلامية .
         فالديمقراطية لا تمس  قضية الحاكمية في شيء وإنما هي آلية لتهذيب الصراع بين مختلف مكونات الدولة ,ومن وقع في هذا التوهم فقد أخلط بين الديمقراطية والعلمانية في الغرب لأن القانون في الدولة الغربية مرجعيته علمانية وإنما البرلمان هو عبارة عن مؤسسة لاستصداره  فقط .
         أما الفكرة الأخرى التي جاء بها سيد قطب هي فكرة الجاهلية التي اعتبر فيها أن المجتمعات الإسلامية عادت إلى الجاهلية التي كانت قبل الإسلام لأنها تخلت عن الأخلاق والمبادئ والأحكام الإسلامية وهذه الفكرة جعلت كثير من المتأثرين بكتابات سيد يحكمون على المجتمعات الإسلامية بالكفر ولكن سيد قطب لم يكن يقصد تكفير المجتمعات الإسلامية بالكفر بقدر ما كان يقصد أنها ابتعد عن الأخلاق الإسلامية وهذا لا يخالفه فيه أحد .
  ربما يتساءل البعض عن سبب رواج أفكار سيد قطب في حين أن هناك أفكار أخرى طرحها مفكرون آخرون لم تلق آذان صاغية .
         من الأسباب التي ساعدت على رواج أفكار سيد حسب ظني هي قوة تبحره في علوم القرآن الكريم والتفسير فهو دائما ما يدعم فكرته بمجموعة من الآيات القرآنية كذلك أسلوبه الأدبي المؤثر ،حتى أن القارئ لأفكاره وخاصة في كتابه في ظلال القرآن يجد أن أسلوبه له تأثير وجداني كبير ،كذلك طريقة تعامل خصومه معه التي انتهت بإعدامه سنة 1965م جعلت أفكاره تنتشر انتشار النار في الهشيم.
  
 فلو لخصنا الحديث عن الديمقراطية والنظام السياسي الإسلامي فهناك ميزة أساسية من ميزات  وطبيعة النظام الإسلامي عموما، فالإسلام  لما تكلم عن الحياة الإنسانية أقر بأن فيها ثوابت لا تتغير على مدى العصور. وهناك متغيرات باعتبار الزمان والمكان... والحياة السياسية بطبيعتها متغيرة ولا يمكنها أن تثبت على حال معينة فلو أعطانا الإسلام نظام سياسي للحكم وألزمنا به على مدى العصور لا كان هذا سبب لإعاقة نمو تطور الحياة السياسية والاجتماعية .
في الحقيقة إن الإسلام بشقيه النظريين الذين هما القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة لم يعطيا لنا نظاما سياسيا بين المعالم وإنما ألزمنا الإسلام بمجموعة من المبادئ الأخلاقية كمبدأ الشورى الذي اعتبره القرآن الكريم ميزة أساسية من ميزات الحياة الاجتماعية والسياسية داخل الأمة الإسلامية ..
يقول تعالى ((وأمرهم شورى بينهم)) .
كما أمر الله تعالى رسوله الكريم أن يستشير أصحابه في كل صغيرة وكبيرة حيث يقول تعالى ((وشاورهم في الأمر)) وهذه الآية نزلت كما يقول علماء التفسير بعد غزوة أحد التي لم يفلح فيها الجيش الإسلامي بسبب مخالفته لنصائح وإرشادات الرسول r فمع أن كتاب السيرة النبوية يقولون أن النبي  r لم يكن يودّ أن يخرج الجيش الإسلامي لخارج المدينة لمجابهة جيش قريش ومع ذلك أخذ برأي أصحابه الذين كانوا يرون أن في مقاتلة جيش قريش خارج المدينة خير من انتظاره حتى يدخل المدينة المنورة.
ومع ذلك فالله الحكيم العليم ينزل آيات تلزم النبي باستشارة أصحابه وهذا تكريس لمبدأ  الشورى داخل الحياة الإسلامية.
 فالنبي r كان يستشير أصحابه في كلّ صغيرة وكبيرة فمثلا في غزوة بدر يروي لنا كتاب السيرة أن النبي r جاء أدني ماء من بدر فنزل عنده  فقال له الخباب بن المنذر : يا رسول الله  أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتفهمه ولا أن نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب  والمكيدة؟  قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ،فقال الخباب :يا رسول الله ليس هذا بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب و لا يشربون ،فقال له النبي  r  :لقد أشرت بالرأي وعمل برأيه،وفي رواية ابن عباس عن سعيد أن جبريل نزل فقال للنبي r الرأي ما أشار به الخباب بن المنذر .
وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أسرى بدر فاختلفا في الرأي  فقال ((لو اجتمعتما عصيتكما)) وكان رأيه موافقا لرأي أبي بكر فنفذه ثم نزل الوحي بما يؤيد رأي عمر وهو قوله تعالى((ما كان لنبي أن يكون له أسرى يثخن في الأرض))
  فقال r لعمر )) كاد يصيبنا في خلافك شرّ)) ....وروايات أخرى  كثيرة عن استشارة النبي لأصحابه.
 وأما الآثار عن الخلفاء الراشدين في مسألة الشورى فكثيرة منها ما رواه الدارمي و البيهقي عن ميمونة بن مهران أن أبا بكر كان يسأل عامة المسلمين فيما لا يجد فيه نص من الكتاب والسنة هل يعلمون عن النبي rفيه شيء فربما قام إليه الرهط فقالوا نعم قضي فيه بكذا فيأخذ به ويحمد الله تعالى.وأيضا عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك .
إذا فمبدأ الشورى هو ركن أساسي من أركان الحياة الإسلامية ويجب على المسلمين في أي عصر من العصور أن يضعوا نظاما سياسيا يحكمهم ويحقق هذا المبدأ (الشورى) .
كذلك من المبادئ السياسية التي دعا إليها الإسلام بل وركز عليها في كثير من الآيات القرآنية نجد مبدأ العدل.
 يقول تعالى: ((أن الله يؤمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ..)) .
ويقول أيضا ((لقد أرسلنا رسلنا بالبيانات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...)) .
كما أمر الإسلام بمجموعة من المبادئ والأخلاق التي يجب أن تتوفر في المجتمع الإسلامي فيقول الفقهاء أن هناك مقاصد أساسية تقوم عليها الشريعة الإسلامية وهي التي أقرها الشاطبي في كتابه الموافقات (حفظ النفس، حفظ العقل ،حفظ المال ،حفظ العرض ،حفظ الدين) .فيجب أن يسعى النظام الاجتماعي والسياسي داخل الدولة الإسلامية إلى تحقق هذه المقاصد فكل التشريعات التي جاءت في الإسلام فهي تسعى إلى تحقيق هذه المقاصد و حفظها داخل المجتمع الإسلامي.
         كما يعد مبدأ الحرية من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة الإسلامية إبتداءا بحرية الاعتقاد التي تسمح حتى بالكفر لمواطني الدولة الإسلامية نفسها  .
يقول تعالى ((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي........)).
ويقول ((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ........))
ويقول((.....أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) .
ويقول ((وما أنت عليهم بوكيل)) .
         أما عن الحرية السياسة ومخالفة السلطة الحاكمة فأكبر دليل على إقرار الدولة الإسلامية للحرية السياسية الفتنة الكبرى التي بدأت بمعارضة سياسة قوية أدت إلى  نشوب حرب وفتنة بين الصحابة رضوان الله عليهم استعملوا فيها حتى المواجهة العسكرية كوسيلة للتغيير.
وهناك مقولة للخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب يقرر فيها المبدأ الذي أصبح مضمونه من مبادئ  الأمم المتحدة في القرن 20 هـ حيث يقول          (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )) هذا من حيث المبادئ أما من حيث الآليات فلم يضع الإسلام آلية محددة للحكم  ,وإنما ألزم الأمة بتطبيق هذه المبادئ بأي آلية تجدها نافعة و مناسبة للعصر الذي تعيشه هذه الشعوب المسلمة، فكان لزاما على الأمة الإسلامية في كل عصر أن تضع نظام للحكم بما يناسب واقعها  الذي تعيش فيه والآن في عصرنا الحاضر قد ابتدع الفكر الإنساني الديمقراطية كنظام محكم لإدارة شؤون الدولة بطريقة تحمى الحاكم والمحكوم.
والقاعدة الإسلامية في قضية المتغيرات هي الحديث النبوي (( الحكمة ضالة  المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها)) عكس الثوابت التي لا اجتهاد فيها  وإنما يجب تطبيقها كما هي .
فعلينا الآن أن نأخذ أصول وآليات النظام السياسي الديمقراطي فإذا وجدناها تحقق لنا المبادئ التي ألزمنا بها الإسلام فيجب أن نأخذ بها أما إن وجدناها تخالف هذه المبادئ تركنها.
فمبادئ الديمقراطية كما ذكرناها من قبل هي :
-استقلالية القضاء وسيادة القانون.
- الفصل بين السلطات .
- حماية الحريات العامة.   
- التداول على السلطة.
تروى لنا كتب السيرة أن الخليفة عمر  بن الخطاب أثناء حكمه للدولة الإسلامية  دخل على علي ابن أبي طالب الذي كان يشغل منصب القاضي ليبلغه بأن جريمة زنا قد وقعت فقال له على ابن أبي طالب : يا أمير المؤمنين هل لك أربعة شهود؟ فأجابه عمر بن الخطاب :ليس لي شهود مع أنه رئيس الدولة آنذاك ، فقال له علي ابن أبي طالب :إن ذكرت اسم صاحب الجريمة أقمنا عليك حدّ القذف .
وهذه وقفة تبين لنا مدى سيادة القانون في زمن الخلافة الراشدة فلا سيد آنذاك إلا القانون الذي هو الشريعة الإسلامية ،وهناك روايات كثيرة تأكد على وجود مبدأ استقلالية القضاء وسيادة القانون في المبادئ السياسية الإسلامية .
وكذالك بالنسبة لقضية الفصل بين السلطات فهذا المبدأ يعني عدم سيطرة سلطة من سلطات الدولة الثلاثة على السلطات الأخرى وقد وجدنا في هذه الواقعة أنفة  الذكر أن رئيس الدولة الذي هو عمر ابن الخطاب والذي يمثل السلطة التنفيذية داخل الدولة الإسلامية لم يتدخل في صلاحيات السلطة القضائية التي يمثلها على  علي  ابن طالب وبالتالي إذا أخذنا بهذا المبدأ الآن فنحن لم نأتي بشيء مبتدع في الفكر السياسي الإسلامي وإنما نطبق المبادئ التي أمرنا أن نتمسك بها .
ربما من الإشكالات التي جعلت كثير من الإسلاميين يرفضون الديمقراطية ويعتبرونها خروج عن مبادئ الإسلام هي نظرتهم إلى قضية السيادة وقضية الحرية التي أحدثت في الغرب ما لم تحدثه الحضارات الطاغية من قبل, فإذا سألت الإسلاميين الذين يرفضون الديمقراطية عن سبب رفضهم لهذا النظام فسيجيبونك أن الديمقراطية في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية أباحت الحرية المطلقة لمواطنيها فظهرت الفاحشة وطغت على الحياة الاجتماعية وظهر الشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية حتى إن هناك في الغرب منظمات خاصة بالشذوذ ،وهذا ما أدى إلى تفكك الحياة الأسرية والمنظومة الأخلاقية داخل تلك المجتمعات .
ولكننا إذا نظرنا نظرة معمقة للحياة الاجتماعية والسياسية داخل المجتمعات الغربية فإننا سندرك أن كل هذه الأمور أحدثتها العلمانية والفكر اللاديني الذي طغى على الحياة الأوربية ابتداء من القرن  19 م وهذا لا دخل له بالديمقراطية إنما الديمقراطية هي مجموعة من الآليات والقوانين التي تدير شؤون الدولة ،فإذا كان سكان الدولة متدينين فستعكس الديمقراطية هذا التدين على الحياة السياسية وأما إن كان هذا الشعب علماني فالديمقراطية ستعكس هذه الأخلاق العلمانية على الواجهة السياسية وهذا ما حدث في المجتمعات الغربية العلمانية فإذا جئنا بنظام ديمقراطي إلى المجتمع الإسلامي فلن يحدث مثلما حدث في الغرب لأنه كما قلنا الديمقراطية في الغرب جسد روحه العلمانية أما نحن فسنقيم ديمقراطية روحها الإسلام .
فالديمقراطية تعكس ثقافة الشعب الذي تقوم فيه فمثلا الآن الديمقراطية الأمريكية ليست كالديمقراطية الفرنسية وليست كالديمقراطية الهندية أو الإيرانية أو اليابانية ،فكل حسب ثقافته وحسب معتقده الديني .
أما الإشكال الثاني الذي يكفر به رافضو الحكم الديمقراطي هو مبدأ السيادة ،فهم يقولون أن السيادة داخل الدولة الديمقراطية للشعب وأن ما يريده الشعب يطبق حتى لو كان مخالفا للدين ، وهم يقولون أن السيادة داخل الدولة الإسلامية هي لله وللشريعة الإسلامية .
فهل حقيقة أن الشعب داخل الدولة الإسلامية لا يملك السيادة؟
إن المتأمل  في الآيات القرآنية والأوامر الإلهية يجد أن معظمها تبدأ بـ  - يأيها الدين أمنوا- أي أن الله عز وجل يأمر المؤمنين مباشرة دون واسطة ودون وصي عليها .
والقرآن الكريم يقول ((لا إكراه في الدين))  ,   ((من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))  فإذا فرضنا أن هناك شعب أراد الكفر والخروج عن الدين فله ذلك لأنه سيد نفسه وسيعاقب يوم القيامة على كفره أما أن نجعل هيئة ما  وصية على هذا الشعب تفرض عليه الدين فرضا فهذا ليس من الإسلام في شيء.
 قد يقول قائل أن لهذا الشعب أن يحل حراما أو يحرم حلالا داخل الدولة الإسلامية ،في الحقيقة أن قضية القوانين والتشريع هي مرتبطة بدستور الدولة فإذا أقرّ شعب ما الدين الإسلامي  كدين للبلاد في الدستور فإن الهيئة التشريعية داخل هذه الدولة الإسلامية لا تستطيع أن تحل حرام بينا أو تحرم حلالا بيّنا ،لأنها تخالف دستور البلاد والدستور هو القانون الأعلى في البلاد والقوانين المخالفة للشريعة الإسلامية هي قوانين غير دستورية.                                                                                                                                                                                                            وبالتالي التخوف الذي يخشاه رافضو الديمقراطية من الإسلاميين هو في الحقيقة وهم لا يمكن أن يحدث داخل هذه الدولة الإسلامية .
ونحن هنا لا نقدس الديمقراطية وإنما نقول كما قال تشرشر رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية الذي يقول أن الديمقراطية هي أسوأ النظم ،ولكنها أحسن الموجود .فقد يأتي الفكر الإنساني في المستقبل بنظام للحكم أحسن من الديمقراطية أما الآن فإن الديمقراطية هي أحسن الموجود وقد رأينا أنها لا تخالف المبادئ الأساسية للدين الإسلامي كما يتوهم البعض وبالتالي يجب علينا أن نأخذ بها وأن نطبعها بالروح الإسلامية التي ما إن تدخل على جسد حتى تنيره
.يقول تعالى (( يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم......)

الأحد، 9 يناير 2011

اقتصاد الدولة الإسلامية :

بما أننا نتكلم على ركائز وأسس الدولة الإسلامية كان لزاما علينا أن نضيء الجانب الاقتصادي لهذه الدولة .... وأنا لا أزعم أنني عالم اقتصاد أو مختص في التنظير الاقتصادي ولكن لي مجموعة من الأفكار أردت أن أضعها في هذه السطور .
- المناخ الملائم لإشعال فتيل النهضة :
قلنا من قبل في فصل العلمانية أن فتيل النهضة الأوربية قد أشعل بانتقال الأفكار الجديدة التي جاء بها الإسلام ,فمن المدرسة الرشدية في أوربا التي كانت مرآة تحكى أفكار ابن رشد المسلم على العقل الأوربي ثمّ ميلاد المدرسة الإنسانية التي تهدف إلى وضع الإنسان في مكانته التي خلق لها فكانت تحارب التيار الديني المسيحي الظلامي , ومن العجيب أن روادها كانوا في كثير من الأحيان يحتجون بالآراء و الأفكار الإسلامية بل بالآيات القرآنية نفسها من قبيل قوله تعالى :((ولقد كرمنا بني أدام...))وآيات أخرى ......ثم حدوث حركة الإصلاح الديني التي طهرت الديانة المسيحية من الأساطير والخرافات التي كانت تحيط بها...هذا كله أحدث تغييرات اجتماعية ونفسية لدى الإنسان الأوربي تولدت عنه نهضة العالم يجني ثمارها الآن.
وبالتعبير الديني فعقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام في الرسالة الخاتمة هي التي أحدثت تغيرات اجتماعية ونفسية في المجتمع العربي أثناء نزول الوحي فأحدث نهضة إسلامية الكلّ يشهد بعظمتها .
قد يكون قائد ما علاقة التوحيد بالحضارة ......؟ التوحيد في أبسط صوره هو توضيح وتفصيل للمفاهيم الثلاث الآتية (الإله- الإنسان- الكون) وقد أوضح الإسلام أن الإنسان عبد لله الواحد الأحد ولكنه في نفس الوقت سيّد للكون فكلّ ما في الكون هو في خدمته ومسخر له ، وأن هذا الكون تحكمه سنن و قوانين يمكن الوصول إليها عم طريق البحث.
(( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ..)).
((إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان...)).
((اقرأ باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم)).
(( وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه)).
وهذه الأفكار هي التي انتقلت إلى العقل الأوربي في بدايات نهضته ولكن هذا العقل بترها ,فلم يأخذ إلاّ بنصفها فأخذ بفكرة أن الانسان سيّد للكون ولكنه لم يرضخ إلى فكرة أن الانسان عبد لله فنشأت هذه الحضارة عظيمة في جانبها المادي هزيلة بل ومقرفة في جانبها الروحي والأخلاقي .
هذا بالنسبة إلى الماضي أمّا بالنسبة لمجتمعاتنا المعاصرة فليس لنا حلّ إلاّ باسترجاع تلك الأفكار والمفاهيم و نشرها وغرسها في العقل العربي المسلم ، وهذا ما دعي إليه سيد قطب ومالك بن نبي اللّذان ظنّ الكثير أنّهما من مدرستين متعارضتين ولكني أرى أنهما على شيء واحد في ما يخص إحداث نهضة عربية إسلامية ولكن كلّ بطريقته .
فسيد قطب كان يرى أن الحل هو بإعادة صياغة العقل الإسلامي على عقيدة التوحيد التي جاء بها القرءان والسنة الصحيحة , ومالك بن نبي الذي تكلم بالغة الفيزيائية عن الحضارة فقال إن الحضارة هي تراب- إنسان- زمن .
وقال مالك بن نبي إنه لتحريك هذه المعادلة لابدّ من دين هو بمثابة الكهرباء لتشغيل الآلات ومالك بن نبي يتكلم عن الدين الخالص الذي جاء به محمد r ,فدائما ما يستشهد بتصرفات وحياة الصحابة وليس الدين الذي شوه في ما بعد حتى أصبح مثبطا وصادا للإنسان عن الحضارة في ما يسميه مالك بالقابلية للاستعمار الذي ساد بعد دولة الموحدين .
ومن الشروط أيضا لإقامة أي مشروع نهضة إخراج المجتمع من حياته القاصية .
فالمجتمعات ثلاثة أصناف: مجتمع الضرورة +مجتمع الحاجة+ مجتمع الرفاه.
فمجتمع الضرورة هو ذلك المجتمع الذي يعيش جلّ أفراده ليلا نهارا وراء سدّ حاجاتهم من غذاء وملبس ومسكن ،وهذا المجتمع لا يمكن أن ينجح فيه أي مشروع نهضة لأن أفراده ليس لهم رغبة في التضحية من أجل المستقبل وإنّما هم سكارى وراء ضروراتهم حتى أن الله جلّ وعلا لما أمر قريشا بعبادته ،والعبادة هنا بالمعنى الشامل أي الخلافة واستعمار الأراضي ,قال لهم : ((لإيلاف إيلافهم رحلة الشتاء والصيف *فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف ......)) فالله جلّ وعلا أمرهم بالعبادة بعد أن أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف فالمجتمع الجائع لا تنجح فيه نهضة والمجتمع الخائف كذلك ومجتمعاتنا العربية والإسلامية هي في أغلبها تعيش حياة الضرورية وهذا ما أفشل كثير من مشاريع النهضة .
أما مجتمع الحاجة هو ذلك المجتمع الذي تجاوز ضروراته فلا تجده منشغلا كثيرا بالجوع أو الخوف أو المسكن ...وإنما تجد معظم أفراده يسعون ويطمحون إلى تقديم شيء مفيد لمجتمعاتهم وللإنسانية عموما .وهذا الصنف تنجح فيه مشاريع النهضة والقليل من المجتمعات الإسلامية تعيش في هذا الصنف ،ربما بعض الدول الخليجية فقط.
ومجتمع الرفاه هو ذلك المجتمع الذي تجاوز ضروراته وحاجاته وأصبح يسعى وراء الرفاه والمتعة وهذا المجتمع لا توضع فيه مشاريع للنهضة لأنه مجتمع متحضر،وناهض بالأساس وإنما يحتاج إلى التوجيه والتطعيم لأنه قد ينزل بالإنسان إلى أسفل سافلين وهذا ما نراه في الدول الغربية الأوروبية والأمريكية في عصرنا الحالي حيث أصبح العالم الغربي يبيد شعوبا ودولا وحضارات من أجل توفير المتعة والرفاه لشعوبه .
*أيديولوجية اقتصاد السوق ......استسلام للدولة:
بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الأيديولوجية الاشتراكية ( لنا تعقيب على هذا التطبيق سنورده فيما بعد) .وظهور ما يسمى بالعولمة شاعت فكرة تلوكها ألسنة السياسيين العرب و المسلمين أنه لا حلّ إلاّ بانتهاج استقلالية السوق والأيديولوجية الرأسمالية كسبيل وحيد لتحقيق التنمية ونفض غبار التخلف...
ظهرت الرأسمالية كنظرية اقتصادية للتنمية في القرن 18هـ على يدّ آدم سميث في كتابه (ثروة الأمم) ،وتقول هذه النظرية أن السبيل الوحيد لتحقيق التقدم والازدهار هو برفع كلّ القيود والحواجز أمام النشاط الاقتصادي ...لأن حرية السوق تضمن لنا تنافسا شريفا ينتهي بتحقيق الإنتاج الأوفر والأجود.
في الحقيقة أن حرية السوق المطلقة نظريا ربما تقنعنا بأن الإنتاج الأوفر والأجود سيتحقق ولكن واقعيا لن يحدث هذا كما تصوره آدم سميث ورواد النظرية الليبرالية لأنه سرعان ما يحدث الاحتكار والتلاعب والتجربة تثبت ذلك .
هذا من الناحية النظرية ...حتى وإن سلمنا بأن هذه النظرية ناجحة وصالحة لتحقيق رغبات مفكريها تبقى مشكلة العدالة الاجتماعية التي لن تتحقق بالنظرية الليبرالية بتاتا ....فمن النتائج المسلم بها في الاقتصاد الرأسمالي ازدياد عدد العاطلين عن العمل واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء داخل الدولة والعالم عموما .
تقول لنا الإحصاءات التي تقوم بها الأمم المتحدة أن 20 % الأكثر ثراء في العالم يحوزون على83 % من الدخل العالمي و20 % الأكثر فقرا يحوزون على1,4% فقط من الدخل العالمي لسنة 1992 م.
أيضا تقول الإحصاءات أن أكثر من مليار إنسان أي ما يعادل خمس سكان العالم يعيش واحدهم بأقل من دولار واحد في اليوم . وهناك مليار و500 مليون آخرون يعيشون على ما يتراوح بين دولار و اثنين في اليوم ، وتقول أيضا الإحصاءات أن 40 % من سكان العالم فعليا يشكلون طبقة عالمية دنيا تجابه كل يوم واقع الفقر المدقع ,هذه إحصاءات 2005 م .
قد يقول قائل أن هذه النتيجة لا علاقة لها بالاقتصاد الرأسمالي وإنما هي نتيجة اقتصادية طبيعية فدول العالم المتقدم هي دول عاملة ونشيطة فحققت لشعوبها هذا الرفاه ,بينما الدول الفقيرة لم تحرك ساكنا فنتج هذا الجوع والفقر لدى شعوبها......
وهذه النقطة يعتبرها بعض الاقتصاديين حجة وليست عيبا في النظرية الرأسمالية بينما في الحقيقة إن الإحصاءات تؤكد أن الهوة بين الفقراء والأغنياء موجودة حتى في الدول الرأسمالية المتقدمة نفسها.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية بلغت حصة الفئة الدنيا سنة 1980م نحو5,3 % من الناتج المحلي الإجمالي بينما حصة الفئة العليا (الغنية) نحو 39,9 % من ناتج القومي الإجمالي, في استراليا سنة1975 م بلغت حصة الفئة الدنيا نحو 5,4 % من الناتج المحلي الإجمالي بينما حصة الفئة الغنية 47,1 % وفي بريطانيا سنة 1979 م حصة فئة الدنيا 7 % وحصة الفئة العليا 39,7 % .
ولكن يغطي هذا التفاوت الرهيب هو أن هذه المجتمعات تعيش في حالة الرفاه أي أن غالبية مواطنيها تجاوزوا عتبة الفقر ،ولو نزلت هذه المجتمعات تحت عتبة الفقر لرأينا في هذه الدول ما نرى في بلادنا الآن.
وهذه هي المشكلة الأساسية في النظرية الرأسمالية فعالميا تزداد الهوة بين الفقراء والأغنياء عاما بعد عاما ومحليا تزداد هذه الهوة بين الفقراء والأغنياء داخل الدولة الرأسمالية الواحدة ، ولكن الدول المتقدمة تحلّ مشاكلها الداخلية لاجتناب سخط شعوبها ولكنها تتبرأ من المشكلة عالميا في حين أنها هي سبب الأزمة التي تواجهها دول العالم الثالث ، من استعمار دام أكثر من 3 قرون نهبت فيه كل خيرات وثروات هذه الدول ثمّ تلاه استعمار اقتصادي يضع حواجز وعقبات أمام نهوض أي دولة من العالم الثالث ثمّ جاءت فكرة اقتصاد السوق والانفتاح على الاقتصاد العالمي كفكرة تروج لها البلدان المتطورة لتقنع بها دول العالم الثالث أنه لا سبيل لتحقيق التنمية إلاّ بها ،ومضمون هذه الفكرة هو:
يجب على هذه الدولة التي تبنت اقتصاد السوق كأيديولوجية للتنمية مايلي:
- أن تفتح حدودها البرية والبحرية والجوية أمام الشركات والمؤسسات الاقتصادية العالمية وذلك بإلغاء كل الحواجز الجمركية والعقبات القانونية والسياسية أمام دخول السلع والأموال والشركات المتعددة الجنسيات ,كذلك يجب على هذه الدول أن ترفع كل أشكال الدعم المالي أو القانوني للسلع والمنتجات الوطنية ,كما يجب عليها تحرير عملتها النقدية........
وبالتالي تصبح الدولة لا تؤدي وظيفتها التي أنشأت من أجلها لأن من وظائف الدولة الأساسية هي رعاية وتأمين العيش الحسن لمواطنها فهذا استسلام للدولة وهروبها من مهمتها.
وحجة منظري هذه الفكرة هو أن الدولة إذا فتحت أسواقها وحدودها وهيأت البنية التحتية من طرق و شبكات اتصال وقوانين صارمة فإن الاستثمار العالمي سيتجه إلى هذه الدولة وستستفيد هذه الدولة من هذه الشركات بتوظيف عمال هذه الدولة وبرفع العلامة التجارية لها.
هذا من الناحية النظرية صحيح ولكنه لا يحقق تنمية قوية لهذه الدولة لأنها ستصبح غارقة في التبعية الاقتصادية للاقتصاد العالمي لان الانفتاح على الاقتصاد العالمي شيء جميل ولا مفر منه في عصرنا الحاضر ولكن يجب على اقتصاد هذه الدولة أن يتعد العتبة حتى يصبح قادرا على مواجهة ومنافسة الاقتصاد العالمي وإلا ّفإن هذه الدولة ستصبح بمثابة سوق كبير للمنتجات العالمية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن معظم دول أمريكا الجنوبية تبنت هذه الأيديولوجية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ولكنها لم تفلح بل انهارت
في ما بعد وأصبحت شعوب هذه الدول ناقمة على الرأسمالية العالمية فوجدنا أن الشيوعيين والاشتراكيين قد عادوا إلى سدّة الحكم في معظم هذه الدول .
ومن ناحية أخرى فإن معظم بلداننا العربية وإسلامية لا تمتلك بنية تحتية من طرق وشبكات اتصال وقوانين صارمة وليس لها اقتصاد قوى يمكنه مجابهة الرأسمالية العالمية ولكننا وجدناها تهرول وراء الانفتاح دون أي إستراتيجية سياسية واقتصادية .
وهذا ما فعلته الصين الشعبية التي أصبحت من أقوى الدول الاقتصادية في العالم فإذا تأملنا مسيرتها منذ قيام الثورة الشيوعية بقيادة ماوتسي تونغ وقيامه بالثروة الثقافية وانطلقت نهضة صينية كبيرة متبنية الاشتراكية كأيديولوجية اقتصادية ثم لما أصبح اقتصادها قويا وقادرا على منافسة الرأسمالية العالمية بدأت الصين تتجه نحو الانفتاح على الاقتصاد العالمي وقد عاد هذا الانفتاح بالفائدة على الصين للأسباب التي قلناها من قبل .... وكأن نجاح الانفتاح على الاقتصاد العالمي مرتبط بعتبة ودرجة ما يجب أن يصل إليها اقتصاد الدولة التي تريد الانفتاح وإلا فإن الانفتاح سيضرها ,ونجاح التجربة الماليزية ليس ببعيد عن هذا فماليزيا لم تنفتح مباشرة على الاقتصاد العالمي وإنما كانت الحكومة توجه هذا الانفتاح حتى يفيد اقتصادها .
قد يقول قائل لماذا نجحت دول أوربا الشرقية في انفتاحها على الاقتصاد العالمي في حين لم تنجح دولنا العربية والإسلامية ......أنا أرى أنه إضافة إلى المشاكل السياسية في بلداننا فإن دول أوربا الشرقية قد نجحت لأنها منتمية إلى نسق الحضارة الغربية ،في حين أن الدول والشعوب التي لها نسق حضاري مخالف للحضارة الغربية صعب عليها أن تحقق تنمية قوية دون الأخذ بالاعتبارات الحضارية ,أي يجب عليها أن تعدل في النظرية الرأسمالية حتى تصبح صالحة للتطبيق في هذه الدول و إلا فإنها لن تنجح.
*إذن ما العمل ؟ ......هل الاشتراكية هي الحلّ :
ربما يظنّ البعض أنّ انتقادنا لاقتصاد السوق والنظرية الرأسمالية أننا نميل إلى الشيوعية ونروج لها.... فعند البعض شرط إنك إن لم تكن رأسمالي فأنت شيوعي وهذا ليس صحيح ف,بين الشيوعية والرأسمالية مساحات واسعة للفكر والتنظير .....ولمعرفة ما إذا كانت الشيوعية أو الاشتراكية هي المنقذ لإحداث تنمية في عالمنا العربي والإسلامي يجب أن نعرف أصول الفكر الشيوعي والاشتراكي.
الشيوعية هي حركة اجتماعية وسياسية تهدف إلى السيطرة على المجتمع ومقدراته لصالح أفراد المجتمع بالتساوي ،والشيوعية هي المرحلة التي تأتي بعد الاشتراكية كما يقول زعيمها الفكري كارل ماركس .
فحسب ماركس فإن الصراع الطبقي أثناء سيطرت الرأسمالية سيؤدي إلى حدوث ثورات وانتفاضات في العالم تنتهي بظهور المرحلة الاشتراكية التي يكون فيها لكلّ عمله ولكلّ حسب عمله ثمّ تأتي الشيوعية في النهاية حيث يكون لكل عمله ولكل حسب حاجته وتزول الدولة كما يقول ماركس .
في حين يقول منظري الرأسمالية الجديدة أن المرحلة التي بعد الرأسمالية هي مرحلة العولمة ونحن نعيشها الآن كما يقول فرانسيس فوكوياما في كتابه [نهاية التاريخ] ومن العجيب أن فوكوياما يقول أنه في مرحلة العولمة سيكون 80 % من سكان الأرض خارج سوق العمل وسيعيشون على الفتات .... فأي تقدم وتطور هذا الذي سيؤدي بالعالم إلى الهاوية .....إن أسطورة ربط التقدم بالإنتاج وليس بالإنسان خطأ كبير ,فما معنى ضخامة الإنتاج وجودته ومعظم سكان العلم يعشون على الفتات .....أليس هدف الإنتاج والتقدم هو تحسين مستوى حياة الإنسان فإن كان هذا هو الهدف فحتما أن هناك خلل أوصل العالم إلى هذه الحالة وسيوصله إلى الهاوية أن لم يتدارك الأمر.
ويقول فوكوياما أن البشرية لن تطور بعد هذه المرحلة في حين يقول منظرو الشيوعية أن مرحلة العولمة هي تلك التي تكلم عنها كارل ماركس وسماها بالعهد الكوسموبولوتي الذي يغلب عليه الطابع الاحتكاري ثمّ تأتي بعده الثورات التي تكلم عنها ماركس .
المهم عندنا الآن هل الاشتراكية ستنقذنا وتنقذ العالم أم أن هناك حلّ آخر .
لقد ربطت النظرية الرأسمالية التقدم بكمية الإنتاج وجودته وهذا خلل كبير في حين ربطت النظرية الشيوعية التقدم والتطور بحاجة الإنسان وضروراته المعيشية وهذا هدف نبيل كان سبب في رواج الأفكار الشيوعية في العالم في بديات القرن 20 م .
في الحقيقة إن الأفكار الشيوعية هي أفكار مثالية لا يمكن تطبيقها على الواقع لأنها تتنافى مع الحياة التي جعلها الله عز وجلّ تدافع بين الفقراء والأغنياء والصالحون و الفاسدون ,فان تكون الحياة يسود فيها العدل المطلق فهذا لم ولن يكون إلا في الآخرة , لأن طبيعة الحياة هكذا .
هذا بالنسبة للشيوعية كنظرية للحياة ونحن نقول أن الإسلام هو الذي وضع توازن بين تقدم الحياة الإنسانية ومدى تمسكها بالأخلاق والإيمان ،فالإسلام دعى إلى السير في الأرض واكتشاف أسرارها واستعمارها ولكنه ربطها دائما بالإيمان وغاية الحياة أصلا ((...هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها....)) .
((قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)) .
((اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الانسان من علق.......)).
قد يقول قائل هذه مبادئ وأفكار مشوقة ولكن هل هناك في الإسلام آلية صالحة للتطبيق يمكنها أن تحقق هذا الاتزان بين تطور البشرية وتطور التكنولوجيا.
في الحقيقة ان الإسلام كعادته دائما إذا أراد أن يحمي المجتمع من الخروج والحياد عن غايته التي وجد من أجلها أن يضع له مجموعة من القوانين الصارمة ثم يدع المجال للأخلاق والآداب كقضية الحدود فالإسلام دعا إلى إنشاء مجتمع صالح ولكنه لم يدعو للأخلاق والمبادئ وحدها لتنشئ هذا المجتمع وإنما وضع حدود (حدّ السرقة ،حدّ الزنا.........) تعتبر هذه الحدود بمثابة حراس أو حواجز تمنع المجتمع من تعديها لأنه لو تعداها و شاع فيه الزنا مثلا أو السرقة لخرج المجتمع وحادّ عن غايته التي خلق من أجلها وهي الخلافة واستعمار الأرض ،وأيضا بالنسبة للحياة الاقتصادية فالإسلام مثلا حرم الربا واعتبره من الموبقات السبع وحرم الاحتكار وأمر بالزكاة بل جعلها ركن من أركان الإسلام فلو منع هذا العالم الربا والاحتكار الجشع ما وصل إلى ما وصل إليه الآن .
في الحقيقة هذه هي الأصول الاقتصادية للإسلام فيجب على اقتصاد هذه الدولة الإسلامية التي ندعو لها أن يحرم الربا ويحرم الاحتكار ويفرض الزكاة كضريبة للأغنياء وللمجتمع عموما (أصناف الزكاة الثمانية ).
ربما يتساءل أحد .....كيف يمكن أن نحدث تنمية بدون فوائد ربوية وبدون بنوك ربوية .
نحن نقول أن في الإسلام حلول لقضية تعامل مالك المال مع مستثمر المال فإذا كانت الرأسمالية تضع علاقة ربوية بين مالك المال الذي هو :بنك أو مؤسسة ,وبين المستثمر أما في الإسلام فالعلاقة هي:مشاركة أو مضاربة أو مرابحة .......الخ .
فإذا كانت الرأسمالية الغربية قد جسدت العلاقة الربوية بين المالك والمستثمر في البنك الذي مهمته الإقراض والاقتراض بفائدة (الربا) ونحن نقول أنه يجب علينا أن نجسد العلاقة بين مالك المال ومستثمره في شكل هيئة أو مؤسسة معينة ولتكن مكاتب الاستثمار التي تعمل كوسيط بين الملاك والمستثمرين .
ونحن ليس لنا حاجة بالبنك كما هو عليه الآن لأن البنك في أصله هو مولد للربا ...لماذا لا ننشئ هذه المكاتب وليكن للدولة بنك عام مثلا تكون مهمته حفظ أموال المواطنين دون فائدة ربوية .
في الحقيقة هذه فكرة أطرحها بين يدي المختصين لدراستها وتطويرها.

الأحد، 2 يناير 2011

العلمانية .......والنظام السياسي الإسلامي:

                 وفدت إلى العالم الإسلامي مع الحملة الاستعمارية في العصر الحديث مجموعة من المفاهيم والمصطلحات نشأت في المجتمعات الغربية كالعلمانية والديمقراطية والتحديث والتصنيع والحداثة .....ومن أخطر هذه المفاهيم هو مفهوم العلمانية الذي يعبر على طغيان الإنسان الأوربي الذي تجرأ على إنكار الدين والغيب عموما .
 ظهرت العلمانية كمصطلح تتداوله الألسنة في بدايات الثورة الفرنسية 1779م واكتملت بنيته النظرية في أواخر القرن 19مـ  ،ولكن مضمون العلمانية التي تعني احتقار الدين وإبعاده عن الحياة السياسية والاجتماعية  قديم في المجتمع الأوربي ربما يرجع إلى بدايات النهضة الأوربية 15م  و 16 م
والعلمانية هي ترجمة للكلمة الانجليزية Secularism وهي نسبة إلى العالم أي العالمانية وتلفظ تسهيلا العلمانية وهذا موجود في اللغة العربية مثلا كلمة فاطمة نسهلها فنقول فطمة ، والعالمانية تعني اللاّ دينية أو اللاّ غيبية أي عدم احتياج العالم إلى غيب وبإمكانية أن يسير لوحده فالإنسان لم يعد بحاجة إلى الدين لفهم العالم أو تفسيره أو حتى تغييره .
 وخطأ شائع عند كثير من الكتاب والصحافيين الذين يقزّمون مفهوم العلمانية ويعتبرونه فصل الدين عن الدولة وهذا في الحقيقة إنما هو جزء من تجليات العلمانية على الحياة الإنسانية .
         فلتعريف أيّ مصطلح أو مفهوم فلسفي لابداّ من الرجوع إلى التركيبة الزماكانية التي ظهر فيها هذا المفهوم، فإذا أردنا أن نعرف مصطلح العلمانية لابداّ أن نرجع إلى تاريخ المجتمع الأوربي الذي أنتج هذا المفهوم وأن  نجيب على سؤال :لماذا فصل المجتمع الأوربي دينه عن الدولة.... ففي تاريخ المجتمع الأوربي نجد أن الدين( المسيحي) فصل عن السياسة في بداية الأمر وقد ظهر هذا في كتابات ميكيافيلي مثلا الذي ألف كتابا أصبح يعتبر واحد من المراجع الأساسية في الفكر السياسي الغربي وهو كتاب [الأمير] الذي أعطى فيه نصائح وتوجيهات إلى الحاكم السياسي تعتمد في الأساس على المصلحة وقد أبعد ميكيافيلي الدين عن السياسة معتبرا أن الغاية تبرر الوسيلة... ثم فصل الدين في المجتمعات الأوربية عن الاقتصاد فظهر الفكر الرأسمالي المجرد عن كل المبادئ الأخلاقية والدينية وكتاب [ثروة الأمم] لآدم سميث يعبر عن هذه العلمانية الاقتصادية فقد حيّد أدم سميث وأبعد الدين عن الاقتصاد معتبر أن المصلحة هي الهدف الوحيد في سبيل تحقيق التقدم و الازدهار... ثم أبعد الدين بعد ذلك عن الأدب والفن وعن كل الحياة الاجتماعية في الدول الأوربية  حتى أصبح الإنسان الأوربي لا يتذكر الدين إلا يوم الأحد أو في الأعياد وكثير من الأحيان هو لا يتذكره أصلا لأنه لا يعمل بأوامر التي أمره بها.
         ونحن سنحاول في هذه الأسطر أن نقدم نظرة معمقة للعلمانية والفكر العلماني وسنجيب عن ثلاث أسئلة أساسية للإحاطة بكل جوانب هذا المفهوم     ما هي العلمانية ؟ وكيف نشأت في المجتمع الأوربي ؟ وهل يمكن أن تعيش وتنمو في المجتمعات الإسلامية؟
بدأ الحديث عن العلمانية العربية في بدايات القرن 20 م أين بدأت تظهر مجموعة من الرؤى الفكرية والبرامج الحضارية للنهوض بالمجتمعات العربية وإخراجها من التبعية والتخلف والفقر .وانقسم المفكرون العرب والمسلمون حيال مفهوم العلمانية بين مؤيد لها وبين مناهض منتقد لها ،فسلامة موسى وطه حسين في أول كتاباته يعبر عن مدى تأييده للعلمانية والذي أحدث ضجة على الساحة الفكرية العربية هي بدايات القرن  20 م.
         بدأ طه حسين كتاباته الأولى متأثرا بالفكر الغربي العلماني فألف كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي أراد من خلاله الطعن في الدين الإسلامي وذلك من خلال إنكاره لوجود الشعر الجاهلي زاعما أن المسلمين هم الذين كتبوه بعد نزول القرآن الكريم  ليثبتوا بلاغة وإعجاز القرآن الكريم .
         وقد انتهج طه حسين  طريق انتقاد الدين من أصوله لأنه كان يحاكي الأدباء الأوروبيين الذين بنوا شهرتهم وشعبيتهم على انتقاد الدين المسيحي والسخرية منه  كفولتير الذي وجه انتقادات كثيرة للفكر الديني والمسيحي .
ولكن هذه الفكرة التي طرحها طه حسين قد دحضها العلماء في عصره ثم أثبت علم الآثار والتاريخ وجود بقايا آثار في الجزيرة العربية ّ تثبيت وجود الشعر الجاهلي.
ثمّ كتب في ثلاثينات القرن الماضي كتابه مستقبل الثقافة في مصر والذي أراد من خلاله أن يربط فكرة التطور والتقدم بإستراد الفكر والفلسفة الأوربية بحلوها ومرها أي علمنة المجتمع والدولة المصرية .
         وقد تراجع طه حسين في أواخر كتاباته عن معظم هذه الأفكار وكتب كتبا عدة عن التاريخ والفكر الإسلامي كـ : -على هامش السيرة - والفتنة الكبرى-  ونفس الشيء بالنسبة لكتابات سلامه موسى الذي لو وصل إلى السلطة وتولى زمام الحكم في البلدان العربية لجعلها تنتهج العلمانية رغما عنها كما فعل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا الذي حاول أن يجتث الإسلام من عقل ووجدان الشعب التركي.
         من الملفت للنظر في ذلك العصر أن كل الكتابات التي يسومنها بالتنويرية وهي في الحقيقة ظلامية أرادت أن تنتقد الفكر والتراث الديني الإسلامي مقلدة بذلك السبيل الذي انتهجه المفكرون التنويريون في المجتمع الأوربي ،لكن كل هذه الكتابات لم تستطع أن تثبت أي ثغرة في الدين الإسلامي في حين اثبت ذلك مفكرو التنوير في الدين المسيحي (المحرف).
         أما الكتابات الإسلامية التي انتقدت العلمانية والفكر  اللا ديني نجد كتابات الأستاذ أنور الجندي الذي وضع كتابا تنبأ فيه بسقوط العلمانية معتبرا أنها مرحلة من تاريخ الفكر الأوربي ستعود بعدها المجتمعات الأوروبية إلى الدين من جديد .
         وكتابات سيد قطب التي تنتقد الحضارة الغربية من أصولها حيث اعتبر سيد قطب أن الإسلام هو الحضارة وما عداه جاهلية .
((هذا الدين )) ((مستقبل هذا الدين)) ((الإسلام مشكلة الحضارة)) هي في الحقيقة ع  دراسات فكرية معمقة حاول فيها سيد قطب تبيين الفرقات الموجودة بين الدين الإسلامي وتاريخ الشعوب الإسلامية وبين الدين المسيحي وبين تاريخ الشعوب الأوروبية معتبرا أن العلمانية هي انحراف للفكر الإنساني ولا يمكن لها أن تصلح في البلدان العربية و يقول سيد أن الإنسانية ستعود إلى الإسلام بعد أن تجرب كل الفلسفات والنظريات الوضعية التي سيثبت الزمن فشلها .
         أما الدراسات المعاصرة عن العلمانية فنجد  كتابات الأستاذ عبد الوهاب المسيري رائدة في هذا المجال ،فربما يكون هو الكاتب الوحيد الذي استطاع أن يقدم نظرة تحليلية تاريخية عن العلمانية في المجتمعات الغربية.
         حيث اعتبر عبد الوهاب المسيري أن هناك علمانيتان :علمانية جزئية وأخرى شاملة .
         أما العلمانية الجزئية هي تلك الفلسفة التي سادت القرن 19 م والتي كانت تقضى بإبعاد الدين عن الدولة وإقصائه عن الحياة السياسية وقد بدأت تتجسدت هذه الفكرة في الثورة الفرنسية سنة 1779 م والتي كان شعارها   " أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" .
         لكن الدولة في هذا الوقت لم تكن مسيطرة على كامل مجالات                                                                                                                                                                                                                                              الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية كما هي عليه الآن ،فالدولة في البلدان الأوروبية في القرن 19 م لم تكن مسيطرة على التربية والتعليم والفن والثقافة والاقتصاد وإنما كانت سلطتها محدودة في شؤون السياسة والعسكرية وبالتالي فإن الدين قد فصل عن بعض شؤون الدولة وليس عن الدولة كلها ،أما الجوانب الأخرى من الحياة فلم تمسها العلمانية بشيء أي أن الدين لم يفصل عن الحياة الفردية وإنما بقي الدين فاعل أساسي في الحياة الفردية في أوروبا :
         أما العلمانية الشاملة فهي تلك التي ظهرت بعد التطور الرهيب الذي حدث في القرن 20  م حيث أصبحت الدولة الحديثة تسيطر علي كامل مخالب الحياة العامة والخاصة فالخطوط العريضة للتعليم مثلا تضعها الدولة والسياسة الاقتصادية حتى الفن و الثقافة أصبحت الدولة الحديثة لها يدّ فيه فأصبح بإمكان الدولة أن تصل الى الأصول الفكرية و العقائدية لشعبها من خلال الإعلام و التعليم فتبرمجه وفق ما تشاء.
         و بالتالي فالدين في هذه المرحلة قد فصل عن كل جوانب الحياة فالاقتصاد لا أخلاق تحكمه والسوق هو حلبة الصراع بين المنتج و المستهلك و المضارب و البائع و المصلحة الفردية هي القيمة الأساسية و أصبح الفن لا رسالة له فهو يسعى إلى الربح المادي دائما على حساب جميع المبادئ الدينية و الأخلاقية .
         فالعلمانية الشاملة حسب رأي الأستاذ المسيري هي التي نراها الآن في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبحت الحياة فيها عبارة عن مكان أقصيت منه كل العواطف و المبادئ .
         و هذه العلمانية الشاملة حسب رأي الأستاذ هي مرحلة من مراحل تطور العلمانية الجزئية التي كانت في الغرب في القرن 19 م.
أما عن مدى موائمتها للتطبيق في دول العالم العربي و الإسلامي فقد اعتبر الأستاذ المسيري أن العلمانية الجزئية يمكن أن تطبق في العالم الإسلامي فيفصل الدين عن السياسة وعن بعض جوانب الاقتصاد على حد تعبيره ،أما العلمانية الشاملة فلا يمكن أن نطبقها في بلداننا لأنها حسب رأيه مهدمة للأخلاق و للحياة الإنسانية عموما فهي تجعل من الإنسان مجرد مادة و آلة تسير وفق قوانين مادية و بيولوجية .
على عكس العلمانية الجزئية التي يمكن أن تتعايش معها مجتمعنا فهو يقول دائما ((أنا علماني جزئي)).
         في الحقيقة إن نظرة الأستاذ المسيري لمفهوم العلمانية هي نظرة تحليلية دقيقة لنشأت هذا المفهوم في المجتمع الغربي ، ولكنها لا تعطينا جواب مقنع عن جوهر العلمانية - لماذا ظهرت العلمانية في المجتمع الغربي ؟ ولماذا أبعد الدين في أوربا عن الحكم ؟ بعد حوالي 18 قرنا من تواجده في المجتمعات الأوربية .
         فحسب رأيي إن هذا هو جوهر موضوع العلمانية فإذا استطعنا أن نجيب على هذا السؤال لاستطعنا أن نعرف ما إذا كانت العلمانية صالحة للعيش والنمو في المجتمع الإسلامي أم أنها نبتة في غير تربتها وفي غير إقليمها المناخي.
كيف ظهرت العلمانية في الفكر الغربي ؟
         لمعرفة مفهوم العلمانية لابدّ لنا أن نلقي إطلالة سريعة على تاريخ الإنسانية والمجتمع الأوربي بالذات لمعرفة الشيء الذي حدث وأدى إلى تبني الإنسان الأوربي لهذا المفهوم واقتناعه به . 
         يقول لنا علماء الأنثروبولوجيا وعلماء التاريخ أن الحياة الإنسانية ظهرت على الأرض منذ حوالي 200 ألف سنة وهناك من يرجعها إلى 4 ملايين سنة ولكن الراجح عند العلماء هو 200 ألف سنة لأن الآثار التي وجدت وترجع إلى 4 ملايين سنة هي أثار لحيوان شبيه بالإنسان وليس للإنسان العادي هذا ما يقوله العلم .
         فالإنسان موجود على الأرض منذ 200 ألف يعيش حياة بدائية بسيطة وكان تطور الحياة الإنسانية بطيء جدا إلى غاية 500 سنة الأخيرة حيث حدث منعرج كبير في الحياة الإنسانية وفي الفكر الإنساني  كانت نتيجته ما نحن عليه الآن من التقدم والتكنولوجيا ، فاستطاع الانسان أن يغزوا الفضاء وأن يغور في الأرض ويستخرج القوانين التي تحكم حركة الكون.
         والسؤال المطروح هنا هو ما الذي أحدث هذه الطفرة في مسيرة الانسان على الأرضّ ؟ ولماذا لم تحث منذ 100 ألف سنة أو 50 سنة مثلا .
         بالنسبة للتفسيرات التي طرحت بشأن هذه الطفرة والتغيير الرهيب في الحياة الإنسانية فهناك من يربط بين هذه الطفرة وبين تقارب وسائل الاتصال بين الشعوب على الأرض وبين الأجيال عبر الزمن من خلال اختراع الطباعة وظهور الصحف وإلى غير ذلك من وسائل نقل المعلومات ،فأصحاب هذا الرأي يقولون أن تطور وسائل الاتصال بين الشعوب والأجيال أدى إلى سرعة حركة تقدم الحياة الإنسانية فحدث في 500 عام ما لم يحدث في آلاف السنين .
         أن أصحاب هذا الرأي لم يعطوا لنا سبب مقنعا يفسر وقوع هذا التغيير في الفكر الإنساني وفي المجتمع الأوربي بالذات ،فوسائل الاتصال تقرب المسافة بين الشعوب وتسهل انتقال الأفكار والمعلومات ،لكن الذي حدث هو تغيير نظرة وتصور الانسان للحياة وللكون وللنفس الإنسانية.
         وهناك من يقول أن التاريخ الإنساني تداول بين حضارات وشعوب والحضارة الأوربية التي ابتدءا في القرن 16 م ما هي إلا مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني وأن ما حدث في ألـ 500 سنة الأخيرة من تطور تكنولوجي وتقني رهيب هو نتاج تطور تاريخي ونتاج الحضارات التي سبقت الحضارة الأوربية.
         قولهم أن الحضارة الأوربية اعتمدت على إرث الحضارات التي سبقتها هي حقيقة تاريخية لا جدال فيها ،بينما يبقى السؤال مطروح في أذهاننا .
ما الذي أحدث هذا المنعرج في الفكر الإنساني؟
         لو نظرنا نظرة فوقية على مسار التاريخ الإنساني نجد أن هناك حدثان مهمان حدثا قبل انطلاق الحضارة الأوربية التي نتج عنها مفهوم العلمانية كتصور للحياة وللكون.
         الحدث الأول هو انقطاع وحي السماء إلى البشرية بنزول الرسالة الخاتمة على سيدنا محمد r ،فبعد أن كانت البشرية تسير وفق منهج السماء طيلة آلاف السنين عن طريق النبوة التي أكد القرآن الكريم في كثير من آياته أن النبوة لم تنقطع طوال تاريخ البشرية  فلا توجد أمة لم يرسل إليها نبي ليهديها ويبين لها هدف وغاية وجودها.
يقول تعالى: ((وإن من أمة إلا خلا فيها نذير))  
ويقول تعالى:((وما كنا معذبين حتى نبعث رسول))
         لكن بعد بعثة سيدنا محمد برسالة الإسلام ،انقطع وحي السماء للأرض وهذا حدث مهم في تاريخ الإنسانية.
  فعلاقة وحي السماء والمنعرج التاريخي التي جدت للإنسانية ابتداء من بدايات النهضة الأوروبية قد غفل عنه كثير من المفكرين وهذا ما سنبينه الآن .
         ان القرءان الكريم قد أحدث تغييرا جذريا في فكر الإنسان سواء من ناحية تصور الإنسان عن للكون ولنفسه و للخالق سبحانه و تعالى .
فبالنسبة لنظرة الانسان للكون فقد أكدّ القرءان الكريم على أن الانسان هو السيد لهذا الكون وأن كل ما في هذا الكون مسخر و مذلل له.
يقول تعالى ((وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض منه))
 كما أمر القرءان الانسان بالسير والبحث في الكون واستخلاص القوانين التي تحكمه .
يقول تعالى(( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق))
 ويقول أيضا((فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقي إليه النشور ))
 ويقول ((والشمس والقمر بحسبان))
ويقول(( إن كل شيء خلقناه بقدر))
فما إن أدرك العقل المسلم أن هذا الكون تحكمه قوانين سعي العالم والباحث المسلم في الحضارة الإسلامية إلى الوصول إلى هذه القوانين والحقائق الكونية ثم انتقلت هذه الفكرة إلى المجتمع الأوروبي .
         لكن هناك من يقول أن القرءان دعا حقا إلى البحث في الأرض لكن الهدف ليس الوصول إلى القوانين والعلل التي تحكم الظواهر الطبيعية بل لهدف آخر هو الإيمان والتوحيد وهذه في الحقيقة ليست مسبة وإنما هي ميزة الإسلام الذي يربط دائما بين تطوير الحياة الإنسانية والإيمان و الحياة الآخرة المكملة لهذه الحياة على عكس الحضارة الغربية التي تعتبر أن الحياة الدنيا هي الهدف الأول والأخير.
         أما بالنسبة لنظرة الانسان لنفسه فقد غير القرءان الكريم تصور الانسان لمكانته في هذا الكون فبعدما كان ينظر إلى نفسه نظرة دونية ويعتقد  أن في الكون من هو أكرم منه ويملك سلطة عليه ,جاء القرءان وقال للإنسان إنّك خليفة الله في الكون و سيّد لهذا الكون ولا سلطة لمخلوق عليك وأن كل ما في الكون مسخر لك وفي نفس الوقت إنّك عبد لله الواحد الأحد .
قال تعالى:((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ,قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ما لا تعلمون))
 ويقول أيضا: ((ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا))
ويقول أيضا ((إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا))
         فكل هذه الآيات وغيرها كثير في كتاب الله  غيرت تصور الإنسان لنفسه ولهدف وجوده على هذه الأرض فأصبح ينظر إلى نفسه نظرة مسئول على هذه الأرض .بعدما كانت الفلسفات والديانات القديمة المحرفة تقلل من شأن الإنسان ودوره على هذه المعمورة في حين قدس أشياء هي في الأساس مسخرة له كتقديس النار عند المجوس أو تقديس بعض الظواهر الطبيعية  أو الأصنام ....
أما تصور الإنسان عن الإله الخالق فبعدما كانت الديانات المحرفة والفلسفات القديمة تنظر إلى الإله  نظرة شرك أو تعدد فاعتبرت المسيحية مثلا[المحرفة] أن الله ثالث ثلاثة وهذه صفة النقص بالنسبة للإله سبحانه وتعالى ,كما كانت تنظر الفلسفة الإلهية اليونانية نظرة تقليل وانتقاص من عظمة الله جل وعلا ثم جاء الإسلام ليقدم نظرة مفصلة ودقيقة عن الله سبحانه وتعالى في عقيدة التوحيد التي تؤكد أنه ليس في الكون إلا اله واحد ليس كمثله شيء  ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) ...هذه العقيدة التي ما إن دخلت قلب بشر واقتنع بها إلا أعطته حركة وطاقة لا مثيل لها.
 هذا بالنسبة للحدث الأول من الحدثين الذين حدثا قبل التغيير الكبير الذي حدث في مسار الفكر الإنساني ، والذي  ربما استبعده كثير من المحللين والمفكرين وقللوا من مدى علاقته بانطلاق الحضارة الأوربية في القرن 16م .
أما الحدث الثاني الذي كان سببا في ميلاد الحضارة الأوروبية هو حركة الإصلاح الديني التي حدثت في القرن 15-16م بزعامة مارتن لوثر (1483-1546) فانشأ المذهب البروتستانتي الذي انشق عن الكاثوليكية  فأسقط لوثر كل الخرافات التي كانت سائدة في المذهب الكاثوليكي ، فمن الإصلاحات التي جاء بها لوثر:
s       أنه أسقط الخطيئة الأصلية بتوبة آدم عليه السلام.
s       نفى كلّ وساطة بين الله والإنسان.
s       تأكيده على أن الإيمان هو الرابطة الوحيدة بين الله والمؤمنين .
s       اعتبر لوثر أن الكنيسة نظام كهنوتي اجتماعي متسلط على الشعوب الأوربية يجب القضاء عليه .
هذه هي الإصلاحات الرئيسية التي قام بها مارتن لوثر في أوربا والتي حررت العقل الأوربي من كل القيود التي كانت مفروضة عنه فانطلق يسعى في الأرض ويجوب الآفاق بكل حرية وطلاقة .
لكن في الحقيقة هذه الحركة الإصلاحية لم تحدث في أوربا فجأة و إنما بعد حدوث مجموعة من التغيرات والتفاعلات في المجتمع الأوربي ابتدأت بظهور حركة في الجامعات الأوربية تسمى بالرشدية اللاتينية منتسبة فكريا إلى ابن رشد العالم المسلم...ثم ظهرت حركة الإنسانيين وهم فئة ناشئة من المثقفين في القرن 14 م كانوا يعملون خارج نظام الكنيسة وضدها وكانت هذه الحركة متأثرة أشد التأثر بترجمات القرءان الكريم إلى اللغات الأوروبية فكان رجال هذه الحركة لا يخفون مدى انبهارهم وتأثرهم بالإسلام وبالقرءان الكريم فكانوا كثيرا ما يحتجون بآياته لتعزيز موقفهم ونشر ثقافة جديدة تعتبر أن الإنسان غاية في حدّ ذاته ، وتعلي من شأنه كفرد حرّ لا يحتاج في تعامله الديني (عقيدة وسلوكا) إلى وسيط آخر (الكنيسة) .
         لقد أسهمت ترجمة معاني القرءان الكريم إلى اللغات الأوربية في التغيير الذي عرفته نظرة الثقافة الأوربية إلى الإنسان وحركة الإنسانيين هي أكبر دليل على مدى تأثر رجال الفكر في أوربا بالقران الكريم .
حيث يقول المؤرخون إن أول ترجمة لمعاني القران الكريم إلى اللغة اللاتينية في سنة 1143م,وتمت بإيعاز و إشراف رئيس دير-كلوني-في جنوب فرنسا الراهب (بطرس المبجل),وقد منعت هذه الترجمة من الطبع والوصول  للجماهير إلى غاية سنة 1543م,أين طبعت في سويسرا وكانت تتضمن مقدمة لمارتن لوثر ,ثم ترجمت هذه النسخة إلى الفرنسية 1647م,ثم إلى الأنجليزية و الهولندية و الألمانية....ويقول المؤرخون أن هذه الترجمات لاقت رواجا كبيرا في المجتمعات الأوربية.
ربما تكون هذه الترجمات ليست دقيقة وقد تكون بعيدة كثيرا عن المعنى الحقيقي  للقرآن الكريم ,ولكننا هنا نقصد تلك الأيات القرآنية التي إذا ما فهمها الإنسان و أقتنع بها أحدثت ثورة وتغير جذري في نظرته وتصوره للحياة و للكون من قبيل قوله تعالى:((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..)).
وقوله:((..ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر و البحر وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا)).
وقوله:((وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه)).
فعرف الإنسان الأوربي وتعلم أنه سيد للكون وأن الكون مسخر له بعد جهل طويل بهذه الحقائق.
         لقد كانت حركة الإصلاح الديني لمارتن لوثر نتيجة لهذا التغيير الجذري الذي حدث في أوربا  إبتداءا من القرن الثاني عشر ميلادي بعد دخول الثقافة الإسلامية إلى أوربا عن طريق الترجمة.
         فلو تأملنا في معظم الإصلاحات التي قام بها لوثر لوجدناها في أصولها إسلامية لا نحتاج إلى دليل تاريخي لنثبت مدى تأثر لوثر بالثقافة الإسلامية و بالقرآن الكريم بالخصوص ...
فمسألة  الوساطة بين الخالق والمخلوق هي أصل من أصول الدين الإسلامي (( وإذا سالك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني...))
         ونفس الشيء بالنسبة للخطيئة الأصلية لآدم عليه السلام فنجد القرءان الكريم أكد في عدة آيات أن آدم تاب إلى الله عز وجل وتاب الله عليه حيث يقول تعالى ((فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه.......))
وبالتالي فحركة الإصلاح الديني التي حدثت في أوربا وكانت سببا رئيسيا لميلاد الحضارة الأوربية كانت نتيجة تأثر أوربا بالإسلام وبالقرءان الكريم وهذه هي الحقيقة التي لا ينكرها العادلين من المفكرين في أوربا .
         قد يقول قائل إذا كانت الرسالة الخاتمة (الإسلام) ركيزة أساسية من ركائز انطلاقة الحضارة الأوربية في القرن 16م فلماذا لم تنطلق هذه الحضارة في العالم الإسلامي الذي نزلت فيه هذه الرسالة؟
         في الحقيقة إن الإسلام أحدث تغييرا جذريا في عقلية المسلم والإنسان عموما وأدى ذلك إلى انطلاق الحضارة الإسلامية التي يعتبرها علماء الغرب أنفسهم أنها وضعت القواعد الأساسية التي اعتمد عليها العقل الأوربي في بناء حضارته .
         إن فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوربية كفضل الأستاذ على تلميذه فمعظم مجالات إبداع الحضارة الأوربية نجد أن الأصول والمناهج التي اعتمدت عليها إسلامية المنشأ .
         فالمنهج التجريبي الذي يعتمد على التجربة والملاحظة والفرضية هو في الحقيقة منهج إسلامي أخذه العلماء الأوربيون من الحضارة الإسلامية .
وأيضا في العلوم الطبية نجد أن العلماء المسلمين أسهموا إسهامات كبيرة في هذا المجال فالبيروني هو مكتشف الدورة  الدموية الصغرى والفارابي هو أول عالم في التاريخ  تكلم على تركيب العين بصيغة باهرة .
وابن سيناء الذي يعتبر أستاذا للحضارة الأوروبية فمؤلفاته وخاصة كتابه القانون ظلّ يدرس في الجامعات الأوروبية ثلاثة قرون.
وفي علم الفيزياء نجد أن علم البصريات الذي وضع أسسه ابن الهيثم  إسهاما كبيرا في تاريخ العلوم ......حتى أن هناك من العلماء الإسلاميين   من تكلم عن الجاذبية وأن الأرض تجذب الأجسام إليها جذبا .
أما في علم الفلك  فإسهامات العلم الإسلامي فيها كثيرة فأثبت مثلا  كروية الأرض ودوران الأرض في حين كانت أوربا تزعم أن الأرض محمولة على قرن ثور... فابن حزم الأندلسي له كتاب يثبت فيه كروية الأرض بالدليل العلمي والشرعي في القرن الرابع هجري أي قبل انطلاق النهضة الأوربية.
         إذن فنزول الرسالة الخاتمة وحركة الإصلاح الديني في أوربا هما الحدثان الأساسيان اللذان أديا إلى انطلاق الحضارة والنهضة الأوربية التي تعتبر نقلة نوعية في تاريخ الإنسانية.
 فالدين الإسلامي هو الذي لفت انتباه الفكر الإنساني إلى القوانين والعلل التي تحكم حركة الكون ثم انتقلت هذه الأفكار عبر الترجمة و الحركة الرشدية اللاتينية والمدرسة الإنسانية إلى المجتمع والعقل الأوربي فولدت الحضارة الحديثة  .
        لكن... ما علاقة هذا كله بالعلمانية ؟
         لقد تعمدنا  الكلام على مرتكزات الحضارة الأوروبية لنبين أن العلمانية هي نتيجة من نتائج الحضارة الأوروبية والتي حدثت بعد قرنين أو ثلاث من انطلاقها وليست سببا من أسباب انطلاقة هذه الحضارة كما يزعم كثير من المفكرين والمحللين في العالم.
         فالعلمانية كفلسفة للوجود والحياة لم تظهر إلا في القرن 18م وهو ما يسمى بعصر التنوير الأوربي أين قام مجموعة من المفكرين في أوربا بدراسة  نقدية للدين المسيحي ومدى علاقته بالعلم والحضارة  ووصلوا إلى  أن الدين المسيحي (المحرف في الحقيقة) مصادم ومعرقل للحضارة في أوربا يجب إبعاده وإخراجه من عقلية الإنسان الأوربي وإلا فان تلك الحضارة التي انطلقت في المجتمع الأوربي ستنهار.
         فقام هؤلاء المفكرون بطرح رؤية وتصور جديد للعالم وللوجود بديلا عن التصور المسيحي الديني وهكذا نشأت العلمانية كبديل للدين المسيحي وبالتالي فنحن نقول أن العلمانية هي بمثابة دين إنساني طرحه الفكر الأوربي في عصر التنوير ليكون بديلا عن الدين المسيحي في أوربا .
قد يقول قائل كيف تكون العلمانية دين وهي تدعوا إلى فصل الدين عن الدولة وعن الحياة ...؟.
         إن الدين في الحقيقة عبارة عن عقيدة تعطي لنا تصورا عن الخالق وعن الكون وعن الإنسان ودوره في هذا الكون وشرعية متمثلة في مجموعة من التكاليف والواجبات تنبثق عن هذه العقيدة وتتماش معها.
          وإذا نظرنا إلى العلمانية فإننا نجدها تقدم لنا تصورا عن الحياة وعن الكون وعن الانسان ودوره في الكون (وهو تصور خاطئ وخاصة تصور العلمانية عن الخالق فهي تنكر وجوده وإن لم تنكر وجوده فهي تنكر تأثيره في الحياة ).
         وبالتالي فالعلمانية  دين وضعي وضعه الانسان في القرنيين الـ 18 والـ 19 ليكون بديلا عن الدين المسيحي (المحرف كما نعتقد نحن المسلمين)الذي أصبح عبأ على العقل و الإنسان الأوربي. ففي بدايات النهضة العلمية في أوربا ابتداء من القرن 15-16 وصلت البحوث العلمية إلى مجموعة من الحقائق خالفت ما قاله رجال الدين المسيحي ،فأدى هذا إلى حدوث رعشة عقائدية كبيرة في أوربا انتهت بظهور العلمانية واقتناع الإنسان الأوربي بها.
         فتلك الحقائق العلمية التي وصل إليها العلم  وخطأت ما كان يقوله رجال الدين المسيحي جعلت مجموعة من أدباء ومفكري عصر التنوير في أوربا يعتبرون أن الدين أصبح عائقا أمام التطور العلمي ،واعتبروا أن السبيل الأوحد لتطور الإنسانية وتقدمها هو العلم والعقل ومالا يقبله العلم والعقل فهو خرافة يجب محاربتها ويعتبر فولتير رائد هذه الحركة في أوربا في القرن 18 م.
         إن إثبات خطأ الحقائق التي قال  بها رجال الدين لا يعتبر حجة لهؤلاء المفكرين ليتملصوا من الدين ويزعموا أنه عائق للتقدم ورجعية ويجحدون فضله  الكبير فقد قاد الدين البشرية لآلاف من السنين وهو الذي أوصلها إلى هذه الحضارة والتقدم ....كان لزاما  على هؤلاء المفكرين أن ينقوا الدين المسيحي من هذه المغالطات ويطهروه منها لا أن يحاربوه وينكروه أو كان لزاما عليهم أن يبحثوا عن الدين الحقيقي الذي لا شائبة تشوبه وهو الإسلام لكن هذه الحركة تعبر عن مدى افتتان الانسان بالعلم وغروره بنفسه فظن أنه أصبح إلاها كما قال أحد الفلاسفة كتابا سماه موت الإله.
هذه هي العلمانية كما ظهرت في المجتمعات الأوربية نتيجة للتطور والتقدم العلمي الذي حدث في أوربا فسبب هذا  حالة من الغرور والافتتان لدى الانسان الأوربي فكفر بربه و أمن بالعلم و العقل كبديل عن الدين.
         هل أشار القرءان الكريم إلى هذه الردة والغرور الذي أصاب الانسان بعد وصوله إلى حالة متقدمة من التطور العلمي الذي حدث في أوربا .
نحن نقول أن القرءان الكريم أشار الى هذه الحالة في بدايات نزوله على محمد  r وسماها بالطغيان الذي هو تجاوز الحد في الظلم.
يقول تعالى ((اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خلق الانسان من علق ،اقرأ وربك الأكرم ،الذي علم بالقلم ،علم الانسان ما لم يعلم ،كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ........))
         إن هذه الآيات هي أول ما نزل على النبي r من القرءان الكريم وأن تبتدئ رسالة سماوية خاتمة لهداية البشرية ((وهدى للناس)) بهذه الآيات التي تأمر النبي r  بالقراءة وهو أمر للبشرية جمعاء وتذكر هذا الانسان بنعمة العلم التي أعطاها له ربه جل وعلا وعلمه  بعد أن كان لا يعلم شيئا في هذه الحياة بواسطة النبوءات التي لم تنقطع في تاريخ البشرية من آدم u إلىمحمد r  لهداية الانسان .فأن يبدأ نزول القرآن الكريم بهذه الآيات لهي إشارة كبيرة على أن هناك تغير جذري في الحياة الإنسانية وهو طريق العلم والمعرفة التي وصل بها الانسان إلى إحداث ثورة في منهج وطريقة الحياة نفسها .بالعلم غزى الانسان الفضاء وبالعلم دخل أغوار الأرض.......الخ
ثم تأتي بعد الآيات ((كلا إن الانسان ليطغى ،أن رآه استغنى)) أي حقا إن الانسان ليطغى أي يتجاوز الحد في الظلم والطغيان بسبب أنه قد رأى نفسه استغنى أي أصبح غنيا عن الدين و عن الإله فظن أنه أصبح غير محتاج له.
         جلّ المفسرين يفسرون هاتين الآيتين بطغيان الانسان بسبب ماله أي غناه المادي يجعله يظن نفسه غنيا ولا يحتاج لأي معين, وهذا خروج عن سياق السورة الكريمة التي ابتدأت بأمر الانسان بالقراءة وتذكيره بنعمة التعليم التي علمه إياها الله جل وعلا .وكأن هذه الآيات إشارة إلى طغيان الانسان بسبب العلم ووصوله إلى مرحلة متطورة من التقدم العلمي والتقني جعلته يطغى ويظلم نفسه (لأن الكفر ظلم)ظنا منه انه قد استغنى عن الله وعن الدين ولم يعد بحاجة لهداية السماء لأنه أصبح عالما  أي ((كلا إن الانسان ليطغى)) أي حقا إن الانسان ليتجاوز الحد في الظلم فيظلم نفسه و يظلم غيره .-أن رآه استغنى- أي رأى نفسه قد أصبح في غنى عن هداية السماء التي علمته ما لم يكن يعلم. وهذه إشارة معجزة في كتاب الله جلّ وعلا تنبأت بما سيحدث للإنسانية بعد أن تتقدم وتتطور علميا وتقنيا
         وأن يظن الإنسان نفسه قد استغنى عن الله وعن الهداية السماوية فهذه هي العلمانية التي ظهرت بعد أن خطى الإنسان خطوة نحو التقدم العلمي والتقني إبتداءا من القرن 16 م فظن أنه لم يعد في حاجة إلى الدين وظنّ أن العلم هو السبيل الأوحد لتطوير الحياة الإنسانية .
         هذه هي العلمانية كما ظهرت في المجتمعات الأوربية والسؤال هنا هل تستطيع الدول العربية والإسلامية أن تنتهج سبيل العلمانية وهل هي صالحة للعيش والنمو في هذه المجتمعات الإسلامية؟
         كتب أستاذنا مالك بن نبي في ستينات القرن الماضي كتابا سماه "مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي" وهو واحد من سلسلته "مشكلات الحضارة" في أحدى فصول هذا الكتاب تكلم مالك بن نبي عن قضية الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة .
         فالأفكار المطبوعة هي الأفكار التي طبعت وخزنت في ذاكرة الأمة العربية والإسلامية منذ بداية نهضتها الأولى على يدّ محمدr  الذي أحدث ثورة فكرية في  المجتمعات العربية آنذاك وأدى إلى إعادة صياغة عقلية هذه الأمة بمجموعة من الأفكار والمبادئ الإسلامية التي مازالت حتى الآن راسخة في الذاكرة الجماعية للشعوب العربية وحتى و إن لم تدري بها هذه الشعوب والأفكار الموضوعة هي الأفكار التي ينتجها ويطرحها المفكرون والفلاسفة على مرّ العصور فان لم تكن هذه الأفكار الموضوعة منسجمة ومتوافقة مع الأفكار المطبوعة في ذاكرة الأمة فلن تحدث فيها حراكا اجتماعيا ولن يتقبلها هذا المجتمع وهذا حدث مع الشعوب الأوربية التي قلبت مفهوم العلمانية وتفاعلت معه منذ أن طرحه بعض المفكرين في القرن 18 وهذا لأن مفهوم العلمانية وفصل الدين عن الحياة السياسية موجود في ذاكرة الأمة الأوربية المسيحية ومقولة السيد المسيح عليه السلام (أعطي ما لقيصر  لقيصر وما لله  لله) أكبر دليل على وجود فكرة العلمانية في ذاكرة الشعوب المسيحية...أيضا فالمسيحية هي دين يركز على الأخلاق والتسامح والحب ويبتعد على كل ما هو سياسي سلطوي وهذه ميزة من ميزات الديانة المسيحية التي في نزلت في  وقت معين وفي مكان معين ولشعب معين على خلاف الإسلام الذي نزل للناس كافة ولكل زمان ومكان ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)) .لهذا كان الإسلام شاملا لجميع جوانب الحياة سواءا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الفردية منها والجماعية فكانت شريعة الإسلام مغطية لجميع حياة الانسان من أموره الفردية والخاصة إلى الأمور السياسية المتعلقة بإقامة الدولة وكيفية تسييرها على عكس الشريعة المسيحية التي لم تعالج إلاّ المسائل الخاصة والفردية وتركت الأمور السياسية و الاقتصادية للناس وهذا كما قلنا  ليس لأن الديانات السماوية مختلفة أو متناقضة فيما بينها و إنما  لأن المسيحية دين نزل في مرحلة معينة ولزمن معين أما الإسلام فهو شامل ناسخ لكل الشرائع التي نزلت قبله من يهودية ومسيحية هذا إضافة إلى أن الدين المسيحي أو اليهودي قد دخلت إليه يدّ التحريف على عكس الإسلام الذي سلم من كلّ تحريف أو تدليس فيقول تعالى (( إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون )) .
إذن فالعلمانية لا يمكن لها أن تكون منهج للحياة في الشعوب العربية والإسلامية لسببين اثنين:
         السبب الأول هو أن هذه العلمانية غير متوافقة مع البنية الاجتماعية والنفسية للشعوب العربية والإسلامية، فلو اقتنعت الشعوب الإسلامية بفكرة العلمانية لأمكننا أن نتخذ منها منهجا للحياة ومرجعية للدول العربية أما وقد رفضت هذه الشعوب العلمانية طيلة قرنين من الزمان ومروّجوها يحاولون أن يقنعوا بها المواطن البسيط فلم يستطيعوا فلو سألت أي مواطن عربي مسلم عن العلمانية لاستغفر في الحين وابتعد عنك.
         أما في الشعوب الأوربية فقد حدثت قناعة اجتماعية بمفهوم ومنهج العلمانية لدى الشعوب الأوربية التي عانت من رجال الدين المسيحيين والكنيسة كل أنواع القهر والتعذيب  .
         ونفس الشيء بالنسبة للشعب الأمريكي أو الشعب الهندي، فهذه الشعوب لها بنية اجتماعية و مرجعية دينية مختلفة عن الشعوب -الإسلامية- فمعظم أديان هذه الشعوب هي في الحقيقة تقتصر على الجوانب النفسية والفردية ولا تتدخل من قريب ولا من بعيد في الأمور السياسية والاجتماعية على عكس الدين الإسلامي الذي هو منظومة متكاملة للحياة تبدأ من علاقة المسلم بربه وبنفسه وبأسرته وجيرانه وتصل حتى إلى علاقة الشعب المسلم بالشعوب الأخرى بل الإسلام حدد حتى علاقة المسلم بالحيوان والجماد والنبات .
فلا يمكن بين ليلة وضحاها أن تنمحي هذه المرجعية المتكاملة وتنغرس مكانها  العلمانية القاصرة على الإجابة على الأسئلة الفلسفية الكبرى التي تراود الإنسان منذ وعيه بنفسه وبمجتمعه ،فالعلمانية لا تعطينا جوابا محددا عن غاية الوجود الإنساني مثلا أو عن هدف الحياة أو عن أصل الحياة أو عن مصير هذه الشعوب التي تأتي إلى الحياة ثم تموت بعد مدة زمنية فالعلمانية تصمت تجاه هذه الأسئلة ،أما الإسلام فيعطينا إجابات محددة ومنسجمة مع الفطرة حيال و في نفس الوقت مقنعة للعقل.
         فالعلمانية إذن لا يمكن لها أن تعيش بين الشعوب الإسلامية ولا يمكن لها أن تحدث دينامكية اجتماعية داخل الدول العربية والإسلامية على عكس الإسلام الذي ما إن اقتنع به الإنسان حتى يشحن بطاقة جبارة لا تجعله يحدث تغييرا فرديا في حياته فحسب وإنما تجعله يحدث تغييرا اجتماعيا أيضا،فيتحرك هذا المجتمع المسلم نحو الحضارة كما انطلق أول مرة فبني حضارة جبارة في مدة لا تزيد عن قرنين من الزمن.
         قد يقول قائل: إن الإسلام موجود الآن بين الشعوب العربية والإسلامية فلم تحدث هذه الإنطلاقة الحضارية ؟....نقول أن الإسلام قد شابته شوائب عديدة ولابدا ّمن الرجوع إلى عقيدة التوحيد الخالص التي جاء بها محمد r وربى عليها صحابته فانطلقوا بها حتى أوصلوها إلى جميع سكان العالم في مدة ربما لا تتعدى 50سنة. 
         أما السبب الثاني لعدم نجاح العلمانية كمرجعية للحياة داخل الشعوب العربية والإسلامية هو عدم نجاحها لا نظريا ولا واقعيا منذ وفودها إلى هذه المنطقة .
         أما نظريا فإن معظم المفكرين الذين كانوا مقتنعين بالعلمانية وكانوا يدعون لوضعها كمنهج للحياة للنهوض بالشعوب العربية معظمهم قد تراجع عن هذه الأفكار وتبنى أفكار إسلامية فيما بعد مثلا فطه حسين الذي بدأ علمانيا وحاول في بداية كتاباته نقد الدين الإسلامي من أصوله بواسطة إسقاطه لفكرة الشعر الجاهلي و هذا محاكاة للحركة التنويرية الأوربية التي عملت على توجيه انتقادات كبيرة للدين المسيحي حتى جعلت الشعوب الأوربية تبتعد عنه. أما حركة التنوير العربية في البدايات القرن العشرين لم تنجح في الوصول إلى أي ثغرة في الدين الإسلامي فانقلبوا على أعقابهم وعادوا يدعون إلى الرجوع إلى الدين الإسلامي فكتب طه حسين في أواخر كتاباته كتابات إسلامية جيدة كـ -على هامش السيرة أو الفتنة الكبرى .
         كذلك نفس الشيء بالنسبة لخالد محمد خالد الذي بدأ علمانيا في كتابه الطريق منها والذي ردّ عليه محمد الغزالي ب-ـمن هنا نبدأ- ثمّ عاد خالد محمد خالد وأصبح داعية ومفكر لإسلامي من الطراز الأول وكذلك عبد الوهاب المسيري الذي بدأ شيوعيا علمانيا ثمّ عاد مفكر إسلامي ووجه انتقادات قوية للعلمانية كمنهج للحياة وللمذاهب الرأسمالية كوسيلة للتقدم والنهوض الحضاري .
         وكتاب آخرون عدة بدؤوا علمانيين ثم ّلما اطلعوا على الدين الإسلامي من مصادره الأصلية عادوا عن أفكارهم وأصبحوا يدعون إلى الفكرة الإسلامية .
         وأما واقعيا فإن التجارب العلمانية و حركة العلمية لم تنجح في الدولة العربية الإسلامية . فتركيا التي انتهجت العلمانية كمرجعية للدولة سنة 1924 م بواسطة مصطفى كمال أتاتورك لم تنجح فلأن حزب العدالة والتنمية هو الذي يسيطر على مخالب الحكم في تركيا وهو حزب ذو مرجعية إسلامية. فأصبح الشعب التركي يضيق ذرعا من العلمانية التي أصبحت عقبة أما هذا الشعب للعودة إلى دينه والقيام بشعائره فلو تركت الحرية الحقيقية للشعب التركي الآن لعاد إلى الإسلام.
         وليست التجربة التونسية ببعيدة عن مثيلتها التركية فقد نجحت الحركة العلمانية بقيادة لحبيب بورقيبة إبعاد جزء كبير من الشعب التونسي الشقيق عن الأصول الأساسية للإسلام ولكنها لم تنجح في إحداث نهضة .أو انطلاقة حضارية لا في تونس ولا في تركيا من قبل .
         في حين دولة مثل ماليزيا أحدثت انطلاقة وقفزة حضارية ابتدءا من ثمانينات القرن الماضي حتى أصبحت دولة مساهمة في التقنية العالمية بدرجة وبنسبة جيدة هذا مع أنها لم تعلمن نظامها السياسي وإنما أبقت الإسلام كمرجعية للشعب الماليزي .
         لكن هناك من يقول أن الدين سيحدث لنا اختلافا وتفرقا داخل الدول العربية بين سلفي ووهابي أو صوفي أو إخواني وكيف سيعيش غير المسلمين داخل هذه الدولة وكيف سيكون موقفها من العلمانيين والأحزاب العلمانية ،وأنه لحل هذا النزاع لماذا لا ننتهج العلمانية ونحيد الدين عن الدولة والسياسة ونحل المشكلة كما فعلت الدولة الأوربية من قبل ويحتجون علينا بتجربة طالبان في أفغانستان أو الدول العربية الأخرى التي تقول أنها تنتهج الإسلام كمرجعية لتسيير الدولة.
         نحن نقول أن ما ندعو إليه هو دولة إسلامية ديمقراطية حقيقية منفتحة على شعوبها وعلى الشعوب الأخرى بمختلف نحلها ومللها .وهذه الدولة تتخذ من الإسلام كمرجعية لتسيير هذه الدولة بكامل جوانبها الاجتماعية والاقتصادية وهذا الطريق لا مناص منه   أي ليس لنا طريق أو حلّ أخر لأنه كما قلنا أن العلمانية لم ولن تصلح في الدول العربية والإسلامية . وبالتالي فليس لنا إلاّ الرجوع إلى الإسلام الحقيقي الذي جاء به محمد r ونحاول أن نبحث عن القواسم المشتركة بين الحركات الإسلامية ونصنع مرجعية إسلامية متفق عليها وإلاّ فإننا سنبقى نتخبط في مستنقع التخلف والتبعية حتى الموت والاندثار.
         والديمقراطية هو التي ستمكننا من حلّ هذه الخلافات والنزاعات والنهوض بهذه الأمة وإخراجها من دائرة المفعول به إلى دائرة الفعل والفاعل.
         فالنظام السياسي الإسلامي الذي نعود إليه هو في الحقيقة يحوى كل مميزات النظام العلمانية وفي نفس الوقت يقضي على عيوب العلمانية بإعطاء غاية وهدف للحياة الإنسانية ولا يترك الإنسان غارقا في عذابه النفسي.
((إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم...........))